في زمننا كنا نحرص على ألا يبدأ الفيلم الأجنبي قبل دخولنا قاعة العرض، وإلا فاتنا الكثير، إذا مضى على بدايته دقيقتان، بينما كنا نستطيع مشاهدة الفيلم المصري، بعد مرور ربع ساعة على بداية عرضه، من دون أن يفوتنا شيء.
تذكرت هذا، وأنا أتابع حلقات مسلسل «بطلوع الروح»، تأليف محمد هشام عبية، وإخراج كاملة أبو ذكري؛ فالحلقات تبدأ فعلياً، قبل نزول العناوين، ومن فاتته مشاهدة هذه الدقائق ربما استغلق عليه فهم أحداث وشخصيات في المسلسل. وما ينبغي توضيحه أن هذا «التكنيك» (العودة إلى الماضي)، ليس نوعاً من «الفلاش باك»، بل هو محاولة لوضع أيدي الجمهور على أسباب ما جرى من تحولات، طرأت على الشخصيات الدرامية، أو تأصيل العُقد، والأمراض، والمقدمات التي قادت إلى النهايات، أو إلى ما نراه في زمن الأحداث التي نتابعها على الشاشة؛ فقبل نزول عناوين الحلقة الأولى، شاهدنا البطل «أكرم»، وهو يُشاهد سراً، في صيف 2014، شرائط فيديو عن معاناة المسلمين في العالم، وعدم نصرة أحد لهم، ما يجعله يجهش بالبكاء، ويجعلنا نصدق، عندما يترك وظيفته، وشهادته كمهندس إلكترونيات، وينضم إلى «داعش»، وفِي الحلقة 2 نتابع يوم تخرج أبطالنا الثلاثة :«أكرم» و «روح» و «عمر»، من الجامعة الأمريكية، صيف 2008، وكيف أحب «عمر»، الطالب الانطوائي والمُعقد، «روح»، من طرف واحد، وقتلته الغيرة من حبها لصديقه «أكرم» !
أما الحلقة 3 ففيها تبرير للخوف المُفرط من جانب «روح» على طفلها «سيف» من أية انتكاسات صحية تُهدد حياته؛ ففي ربيع 2012، صارحت الطبيبة الوالدين بأن طفلهما مُصاب بمرض «الهيموفيليا» (اضطراب وراثي نادر لا يحدث فيه تجلط الدم بشكل صحيح)، ووقتها اعترض «أكرم» على مشيئة الله، وكفر بإرادته (!) وفِي الحلقة 4 غيّب الموت، في شتاء 2014، والدة «أكرم» جراء إصابتها بالسرطان، هزته الصدمة، وانتابه شعور بأنه السبب في موتها، لأنه انشغل بعمله، وليلة العزاء انتهز «عمر» الفرصة، وراح يوسوس له بأن الفرصة مواتية ليُعّدل مساره . وفِي الحلقة 5 بدأت، في الهزيع الأخير من إحدى ليالي ديسمبر 2016، عملية «غسيل المخ»، عبر الهاتف voice note، بواسطة «عمر»، وخلالها أغوى «أكرم» بالسفر إلى تركيا، وألا يترك زوجته وابنه في الضلال ! وفِي الحلقة 6 يظهر تأثير «عمر»، وأفكاره؛ حيث يقوم «أكرم»، في خريف 2015، بزيارة منزل أسرة سجين من السلفيين، ويقدم لهم مساعدة مالية، بتوصية من عمر الدسوقي !
أما ما قبل عناوين الحلقة 8 فنرى كيف يحاول الشيخ «نصار»، في ربيع 2013، إقناع «عمر» بالسفر، والانضمام، إلى «داعش»، بعد أن عرض عليه «أبو بكر البغدادي » منصباً قيادياً. وفِي هذه الدقائق نفسها، نُدرك أن «نصار» سلفي، وكاره للإخوان، الذين استمرأوا الحكم بعيداً عن تطبيق الشريعة وحاكمية الله .وفي الحلقة 9 نرى «عمر»، وقد حزم أمره، وحقيبته، ويشد الرحال، في صيف 2013، وقبل ثوان من الرحيل يُمزق أوراقه، ومن بينها شهادة تخرجه من الجامعة الأمريكية، ولحظتها فقط نكتشف تخرج من كلية الهندسة بالجامعة (!) وفِي الحلقة 10 نرى لحظة الإفراج عن الشيخ «نصار»، آخر نوفمبر 2012، بعد سجنه لمدة 15 عاماً، وزوجته «منال»، التي ستُصبح «أم جهاد»، بعد انضمامها إلى «داعش»، تتوعد «الطواغيت» وأعوانهم، وأنها لن تهدأ إلا بعد ما تهنأ بالقصاص، وبينما جريدة "الدعوة"، الناطقة بلسان الإخوان، تسجل لقاء معها، لا يفوت الشيخ «نصار» الفرصة، ويدعو الذين جاءوا لتهنئته، بضرورة الحرص على المشاركة في مليونية «الشريعة والشرعية » !
دقائق معدودة، لكن لا يمكنك فهم أسباب التحولات، وفهم طبيعة، ودوافع، الشخصيات، وماأصابهم من عُقد وأمراض من دونها.
التعليقات