الناقدة والكاتبة المصرية الكبيرة حُسن شاه؛ اسم من ذهب؛ فى (بلاط صاحبة الجلالة)؛ على مدى أكثر من 50 عاماً؛ وإلى جانب تمرسها صحفية ؛ تقلدت العديد من المناصب المهمة بدءاً من تأسيس صفحة أخبار الأدب بجريدة الأخبار، ثم توليها رئاسة تحرير مجلة الكواكب الفنية.
فهي في الوقت ذاته واحدة من أهم نقاد وكتاب السينما الكبار؛ الذين برزت أعمالهم باعتبارها أفلاما هادفة تناقش العديد من القضايا الاجتماعية؛ مثل أفلام أريد حلاً، وهو الفيلم الذي تسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية في عام، 1978 ومن بعده فيلم (امرأة مطلقة) ثم (الضائعة)؛ و(الغرقانة) و(الإرهاب).
والكاتبة الصحفية حسن شاه من احب الشخصيات؛ التى تعلمت منها الكثير فى (عالم الصحافة)؛ وتشرفت بمعرفتها والعمل معها منذ منتصف الثمانيات؛ لمدة خمس سنوات؛ عندما التحقت بمجلة (الكواكب) بدار الهلال وتعتبر المحطة الثانية جريدة( المساء )؛ لفترة ثلاث سنوات؛ ثم التحاقى بعد ذلك بمؤسسة (اخبار اليوم)؛ منذ ثلاثين عاما.
ولدت حُسن شاه بحي المنيرة العتيق بالقاهرة؛ لأب ترجع جذوره إلى مدينة المنصورة؛ في دلتا مصر، وبدأت خطواتها الأولى داخل فيلتها الصغيرة الجميلة؛ بحمامات القبة المطلة على سراي الملك، حيث الحديقة الكبيرة المملوءة بالفواكه المختلفة، فضلاً عن الساقية التي توجد في أطراف الحديقة، والتي طالما حذرتها أمها من الاقتراب منها خشية الوقوع فيها .
وتقول حُسن شاه عن تلك الأيام: مع قدوم الربيع كانت الزهور تتفتح وأشجار الموالح؛ تثمر لمساحات شاسعة تخص أسرة الملك؛ فتملأ أرجاء المنطقة بالرائحة العطرة المميزة؛ التي استشعرها من حين إلى آخر حتى الآن .
كانت الطفلة حُسن تنتظر وأسرتها قدوم الملك ؛في ذلك الزمان الغابر لتشاهد موكبه من حين إلى آخر، حيث كان أبوها يهتم بتجميل الحديقة بالرمل الأصفر ؛ووضع الزهريات التي تجلب الفراشات الملونة .
تربت حُسن في كنف أب؛ كان يعمل مديرا لإدارة ومصروفات بلدية الإسكندرية بوزارة المالية، وكان رجلاً مثقفاً يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما كان يملك مكتبة ضخمة تضم العديد من الكتب .
وتتذكر تلك الأيام قائلة: كنت في بدايات تعلمي للقراءة والكتابة؛ أتسلل إلى داخل المكتبة؛ لأقرأ ألف ليلة وليلة، كما كان أبي يساعدني على فهم الهندسة والحساب؛ ذلك الفرع الذي لم أكن متفوقة فيه، فكنت أترك لأبي الواجبات؛ ليقوم هو بحلها بدلاً مني، لأنني كنت أميل إلى قراءة الأدب والفن والشعر .
ترتبط حُسن بعلاقة قرابة مع الشاعر الكبير علي محمود طه ؛فهو ابن عمة أبيها، وتقول عنه: كان يأتي إلينا أثناء حرب فلسطين، حيث كتب قصيدة أخي جاوز الظالمون المدى، التي تغنى بها الرائع العظيم محمد عبدالوهاب، ومما لا شك فيه أن وجود هذا الشاعر الكبير ؛في حياتنا لفت انتباهي إلى الشعر والفن مبكراً .
ومع قدوم الحرب العالمية الثانية ؛قررت الأسرة الرحيل عن الفيلا لقربها من سراي الملك التي قد تكون مستهدفة من قبل قوات التحالف، فانتقلت لمنطقة العباسية؛ هرباً من الضربات المتكررة من الطيران الحربي، لكن المفارقة الغريبة أن مدرسة لليهود كانت تقبع خلف البناية الجديدة التي سكنتها.
وعن ذلك تقول: ظلت البناية مستهدفة باستمرار بإلقاء القنابل عليها، ولذلك عشت تفاصيل الحرب بكاملها؛ ورأيت كيف كان يحتمي السكان بالسواتر أمام العمارات من شظايا القنابل، وكيف كان يتم طلي الزجاج باللون الأزرق الداكن ؛لتضليل الطائرات التي تستهدف المنازل والأحياء السكنية .
التحقت حُسن بالمدرسة الابتدائية؛ بكوبري القبة أولا ثم انتقلت لمدرسة الأميرة فوقية بالجيزة، التي تعرف بمدرسة الأورمان الآن، حيث كانت المرحلة الابتدائية أربع سنوات فقط، ثم المرحلة الثانوية ست سنوات ولا توجد المرحلة الوسط التي تعرف بالإعدادية .
وتقول: في المرحلة الثانوية جاءتنا فاتن حمامة في السنة الثانية بالصف الثانوي، وكانت رسبت بسبب انشغالها بالتمثيل فأصبحنا صديقتين .
عاشت حُسن شاه في سنوات شبابها الأولى؛ تلك المرحلة التي انفجرت فيها رغبة المصريين في التحرر من الاحتلال الإنجليزي، وشاهدت بعينيها حريق القاهرة وحادثة قتل العسكر في القناة، التي أصبحت عيداً للشرطة في 25 يناير وهو يوم تحول أيضاً إلى عيد بعد قيام ثورة يناير فيه .
وعن تلك المرحلة تقول: كنت أخرج مع فاتن حمامة إلى التظاهرات والطالبات يهتفن بأسمائنا كزعيمات، حيث كنت أرى في الزعيم مصطفى كامل المثل الأعلى في الفكر والانتماء الوطني، ولذلك قررت أن التحق بكلية الحقوق، كما انضممت إلى الحزب الوطني مع د .فتحي رضوان .
لعبت علاقة حُسن شاه بفاتن حمامة دوراً كبيراً في دعم علاقاتها بالفن والسينما، لدرجة أنها فكرت في احتراف التمثيل، لكنها حينما صارحت والدها برغبتها صفعها على وجهها صفعة قوية؛ أنهت أحلامها فوراً .
في عام 1950 التحقت حُسن بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، وكانت فرقتها لا يزيد عددها على 200 طالب وطالبة، فيما لم يتجاوز عدد البنات 40 طالبة .
تذكر حُسن أن أولى معاركها في الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها كانت في إصرارها على خوض انتخابات اتحاد الطلاب؛ كأول فتاة في الجامعة تحاول الفوز بمقعد فيه، وقد خاضت معركة شرسة على مدى العامين الأولين في الجامعة، حتى فازت في السنة الثالثة فوزاً ساحقاً بفارق 200 صوت .
تخرجت حُسن شاه وعملت بمهنة المحاماة عامين، وربطتها بالكاتب الكبير أحمد رجب، الذي كان يعمل بمجلة (الجيل)؛ حينذاك علاقة زمالة قديمة، لذلك لم تتردد عندما طلب منها أن تعمل معه بالصحافة.
وعن ذلك تقول: بدأت أرسل له بعض الحوارات والتحقيقات من الإسكندرية، إلى أن فوجئت بعد ستة أشهر بخطاب من مكتب استاذ علي أمين، أحد مؤسسي أخبار اليوم، يوضح فيه اهتمامه بنشاطي الصحافي ويدعوني فيه لاجتماع في القاهرة، فكنت في غاية السعادة، لأن الصحافة مجالها واسع وشهير كما أن الفرصة هي التي جاءتني ولم أجر أنا وراءها .
انتقلت حُسن للقاهرة بمفردها، وكانت الفرصة مواتية للعيش مع خالها الطبيب ؛الذي يسكن بمفرده، ووافق الأب على الانتقال لبيت الخال لممارسة مهنة الصحافة؛ وترك المحاماة إلى الأبد.
وعن تلك المرحلة تقول: عملت مع استاذى علي أمين الذي كان يشرف على مجلة الجيل، التي يرئس تحريرها آنذاك موسى صبري، وكان أحمد رجب يشغل موقع نائب رئيس التحرير؛ فتعلمت من عمالقة الصحافة الأساتذة مصطفى وعلي أمين الكثير،أثناء الاجتماعات التي كان يسمح فيها لأي صحافي بالحضور، حيث كانت هذه الاجتماعات دروساً رائعة لتعليم الصحافة .
وهو ما جعل من أخبار اليوم مدرسة مميزة، تحت رعاية الأساتذة مصطفى وعلي أمين فتغيرت ومن داخل المؤسسة دفعتني إلى الانتقال إلى مجلة آخر ساعة.
كانت أول سيدة تحصل على منصب نائبة رئيس التحرير منذ عام ،1963 واحتفظت بهذه المكانة طوال تنقلي في المؤسسات المختلفة لرؤساء تحرير أربعة هم أنيس منصور وعلي أمين وموسى صبري وأحمد
رجب ؛تعلمت منهم الكثير في بلاط صاحبة الجلالة . لمدة ثمانية أعوام أشرفت حُسن شاه على صفحة أخبار الأدب ففتحت العديد من المعارك الأدبية بين الكتاب والنقاد .
بحلول عام 1984 تولت حُسن شاه رئاسة تحرير مجلة الكواكب بمؤسسة دار الهلال، فضمت عدداً من الشباب قامت على تدريبهم وتعليمهم ونجحت في أن تقفز بالمجلة قفزات واضحة، حيث أصبح توزيعها 35 ألف نسخة بدلاً من 16 ألفاً فقط، قبل أن تعود مرة أخرى لمؤسسة الأخبار مع الاستاذ إبراهيم سعدة؛ الذي اقترح عليها باب أريد حلاً الذي حظي بنسبة قراءة عالية.
شاه كان لها دور مهم فى قضية المرأة وما ترتب عليه من تغير فى قوانين الأحوال الشخصية، رحلت فى وقت ترى فيه إنجازاتها التى كانت سببا فى تحرير المرأة تهاجم من بعض القيود المكبلة بها، غابت عنا فى وقت كنا نحتاج فيه إلى قلمها الشجاع والجرئ والحر الذى نجح فى الماضى فى انتزاع بعض حقوق المرأة.
توفيت الكاتبة الصحفية حُسن شاه فى 14 يوليو 2012 ، بعد رحلة مع الصحافة استمرت أكثر من 50 عامًا، بدار أخبار اليوم؛ التي عملت بالمؤسسة منذ أكثر من نصف قرن كاتبة وصحفية.
التعليقات