قبل بضع سنوات تقدم «جيجمي تينلي» رئيس وزراء مملكة «بوتان» البوذية باقتراح للأمم المتحدة لتبني حلول لإسعاد البشر ومن بينها إقامة مؤشر دولي لقياس مدى سعادة الشعوب، وهو المقترح الذي تبنته الأمم المتحدة لاحقا وأولت إصدار هذا التصنيف الدولي الذي يحدث ضجة كل عام إلى «شبكة حلول التنمية المستدامة» التابعة للمنظمة الدولية.
قد يبدو للبعض أن هناك معضلة فى العلاقة بين الحقوق والواجبات بالمجتمعات ، وتثار كل فترة نقطة الخلاف من وحى هل البيضة أولاً أم الدجاجة ؟ فالبعض يؤكد أن البداية من المواطن فعليه أن يقدم واجبات ليجنى حقوق والعكس أيضا له وجهة نظر فلتقدم الدولة ومؤسساتها حقوق لتحصد واجبات.
فتعامل الدولة مع مواطنيها صار فناً وحرفة قد لا يدركها البعض من الدول حتى الأن ، فأليات التعامل مع المواطنين وتحفيزهم وترسيخ إيمانهم للقيام بواجباتهم صار علماً يدرس فى الجامعات وأصبح له علماء ودراسات تتم وكأنها تجارب لتخرج لنا تريقاً يعالج العطب الذى أصاب أغلب المجتمعات وقد يدمرها إذا تغافل عنه القائمين على إدارة دولهم.
أصبح الأن مصطلح سعادة المواطن يتصدر المشهد وأصبح التعبير متداولاً بعد أن كان مجالاً للكوميديا الساخرة وأحيانا ً السوداء فنرى نموذج لدولة عربية شقيقة مثل دولة الإمارات تعتمد البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية حيث تحتل الدولة المرتبة الأولى عربياً في مؤشر السعادة العالمي 2018، والمرتبة 20 على مستوى العالم كأسعد الشعوب.
نجد أن مؤشر السعادة العالمي هو مؤشر مُركب يقيس تقييم الفرد لمستوى المعيشة، والرضا عن الحياة من خلال استطلاع للرأي يستند على محاور مُحددة مثل :الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، ومتوسط العمر الصحي المتوقع، بالإضافة إلى محاور أخرى مثل الدعم الاجتماعي، وحرية تقرير خيارات الفرد في الحياة، والكرم المعيشي، والفساد. حيث يعتمد مؤشر السعادة بواجهة سهلة للمستخدم من أجل اختيار إحدى الخيارات الثلاثة المتاحة وهي سعيد / حيادي /غير سعيد.
السؤال هنا يطرح نفسه من بدأ الخطوة الأولى ؟ هل بدأت الدولة بخطتها لسعادة المواطن وجرأتها أن تضع نفسها محل تقييم لمواطنييها ؟ أم وضعت واجبات المواطن محل تقييمها المسبق لترى هل يستحق حقوقه أم لا ؟.
الدولة حينما تضع الحقوق لخطوة أولى تقدم للمواطن حقوقه كاملة يساندها القانون العادل وتعامله بمبدأ المقيم للدولة مؤسساتها لا المستجدى لتلك الحقوق وتجد المبادرات التوعوية مكانتها الهامة ليعلم المواطن أن الواجبات هى حصد طبيعى ومنطقى للحقوق وأن الدولة لا تستجديها بل ولا يجب عليها ذلك فالمباراة تدور برحى التعاون لا بروح المنافسة.
الشعوب السعيدة هى شعوب أمنة نفسيا بالدرجة الأولى _لا ننفى هنا الأزمات وما يتبعها من قلق وتوتر _ ولكن ما نجده من تجارب المجتمعات بالدول المصنفة الأكثر سعادة أن الأزمات تخلق أماناً أكثر على عكس المتوقع فالأزمة تخلق حالة من التضافر من كلا الجانبين الدولة ومؤسساتها والمواطن وما يمثله بالمجتمع فنجد هنا مواقف تظهر إستغناء المواطن عن بعض حقوقه وتقديم اليد لمساعدة الدولة فى أزمتها وهذا نابع من تجربة الدولة سابقاً معه وكأنه رد للجميل مقدم بالسماحة والرضا.
على العكس نجد بعض المجتمعات ناقمة على مؤسساتها نظراً لتغافلها الدائم عن حقوق مواطنيها والتركيز كأولوية على الواجبات والتعامل من منطلق الدين المكلف بسداده دائما المواطن وقلة عدد ساعات تمتعه بالسعادة أو حقه فيها من الأساس بل والعمل على نشر أفكار تحرض على دونية المواطن وحقوقه وأن الأولوية لما يقدمه لا ما يقدم له.
وفى ظل تقلبات عالمية جعلت الجميع على المحك لن تجد الدول سوى مواطنيها ثروتها الحقيقية المستدامة.
التعليقات