بعد تجربتى فى الإصابة بفيروس كورونا أشارت على صديقتى الكاتبة المميزة منى رضوان أن أتحدث عن تلك التجربة وما تركته بعد رحيلها عنى وما شعرت به وقت زياراتها لي.
كنت أظن فى البداية أن الحديث عن تلك التجربة شىء يسير فما المشكلة فى التحدث عن الإصابة والعلاج والعزل، المثير لدهشتى على الأقل أنى لم أجد كلمات تسعفنى لتوصف ما مررت به وأن ذلك المقال ظل حبيس جهازى الالكترونى مدة شهر كامل لا أستطيع إكماله وتخطى مشاعرى وسط الكلمات.
وضع إصابتى كان فى توقيت تدريب هام مشاركة فيه لمدة أسبوعين ـ خارج محافظتى ـ وكنت فى قمة طاقتى وحيويتى وأستمتع بالبرنامج التدريبي وأنا حينما أكون سعيدة تنطلق منى ومضات حماسية قد تصيب الجميع.
الإصابة وتقبلك لها ترتبط بالمكان الذى أنت فيه فإذا كنت وسط أهلك وعلى سريرك فهذا شأن وإذا كنت خارج بلدك فهذا شأناً أخر وتلك كانت المعضلة الحقيقية أظن.
عزلت نفسي بمكان تدريبي ولازمت كمامتى وانتظرت إمتحانى والذى كان يحتم عليا عرض تقديمى لمحتوى التدريب فى مدة لا تستغرق أكثر من 7 دقائق وإذا نجحت سأكون مرشحة لتقديم نفس البرنامج التدريبي كمدربة معتمدة فى تخصص المهارات الشخصية.
هنا لم أهتم نعم فليكن ما يكون ما يسيطر على هو أن أرحل من هنا وأسكن بيتى وسط بناتي، قدمت عرضى سريعاً والرحيل مباشرة بدون سماع أى ملاحظات فحالتى الإتزانية لم تكن على ما يرام وضغطى منخفضاً لأقصى درجاته وإنقاطعى عن الطعام نال منى وأجهدني.
طلبت سيارة خاصة وتأكدت أنى اإتبعت تعليمات الوقاية حرصاً على غيرى وتوجهت إلى الأتوبيس المخصص لنقلى لمحافظتى وهنا تكمن قمة الدراما التى تعرضت لها.
اخترت أتوبيس به كراسي منفردة وكان على الإنتظار ساعة كاملة قبل التحرك والمغادرة وأثناء الانتظار وفى شهر سبتمبر ذا الحرارة الحارقة وبتواجد مروحتين فقط فى المكان إنخفض الضغط أكثر وصارت رؤيتى لمن حولى كمشهد سينمائى تفتح وتغلق عينيا على حجرة مظلمة وأجد أصوات من حولى بعيدة وغير واضحة وتملكنى الخوف من سقوطى مغشيا على فى مكان لا يعرفنى فيه أحد.
توجهت إلى سائق الأتوبيس وسألته الانتظار داخل الأتوبيس لعل التكييف يعيد لى بعض الوعى ولو قليلا فشعورى بنقص الأكسجين كان يفوق تحملى ووافق السائق لشعوره بأنى مريضة ولا أستطيع الوقوف وأنا أتحدث معه حتى لثوانى معدودة.
كانت المسافة بين ما أحمله من أغراض والأتوبيس قليلة الأمتار ولا تستغرق منى دقيقة ولكنها صارت أطول مسافة أسيرها فى حياتى منذ ولدت وكأن حياتى تتوقف على إجتيازى تلك الأمتار القليلة حتى لا أسقط وأفقد ما تبقى لى من وعي.
وصلت أخيرا إلى مبتغاى وصرخت ولم أدرك أهى صرخة الالم أم النجاح فى الوصول وشعرت أن هواء التكييف هو جهاز أكسجين قُدم إلى مجاناً.
وصلت لمدينتى الصغيرة وتوجهت مباشرة للمستشفى للكشف والتحليل وتأكدت أنى مصابة وإلتزمت بالتعليمات والأدوية وإستكانت روحى غادرنى القلق والخوف لم يتبقى سوى التوكل الكامل على الله.
بعد كورونا ضاقت دائرتى وباتت الأمور أوضح ما مر بي جعل الجميع تحت دائرة الضوء، لم تعد هناك ضغائن أو حزن على من ترك ولمن تجاهل فقط سكينة رائعة لا يلاحقها توتر ولا يتبعها عتاب. فالكورونا قدمت لى معروفاً حتى لو كان مغمساً بالمرارة والألم.
دمتم بصحة وبخير ونور بصيرة دائم..
التعليقات