في إحدى الأمسيات الثرية بالمضامين، قال الشاعر العظيم كامل بك الشناوى لوالدى المحاور العلَّامة مفيد فوزى، «يا مفيد.. أنت في حبك تلهث وفى أسفارك تلهث وفى كتاباتك تلهث.. آه لو تتريث لجاء كل شىء إليك يلهث» تذكرت هذه العبارة جيدًا وأنا أقرأ عن أسلوب للحياة بدأ ينتشر ويشتهر بشدة في الخارج على مدار السنة الماضية واسمه Slow-Living وهو يتناقض تمامًا مع إيقاعنا الجارى الذي نتبارى فيه بل نتقاتل من أجل اللحاق بكل شىء وأى شىء حولنا قبل فوات الأوان.
لكن منهج الـSlow-Living ينسف منطق الرتم السريع من أساسه ويشجعنا على العيش على وتيرة (واحدة.. واحدة) على المهل من غير أي صربعة وبصراحة لو راجعنا أسلوب حياتنا من بداية الألفية حتى الآن سنجد أننا تحولنا إلى آلات تسابق الزمن وراح زمن الروقان يا حسين وبقينا نقوم من النوم ننط ف الهدوم وجرى ع الشارع وطيران ف الطريق، وطول اليوم نلف حوالين نفسنا ومضروبين على دماغنا ومافيش وقت نشوف أو نحس أو نستطعم حاجة لحد ما نرجع ننام تانى من كتر الهَرك والفَرك والتعب، وساعة ما نحط دماغنا ع المخدة النوم يروح والأرق يشتغل واليوم يخلص في لا شىء ويبدأ اللى بعده بنفس ذات الفرهدة، وهكذا إلى ما لا نهاية.
أما السبب اللى فيه كل العجب لما نحن فيه وعليه هو أننا أصبحنا أسرى مصطلح الـFomo أو Fear of missing out وهى حالة عامة تدفع البشر إلى حتمية أن يكونوا على اتصال دائم بالكون خوفًا من فوات حدث ما لا يشاركون فيه، وكأن هناك إلزامية نلحق كل فرصة قبل ما تضيع ونطَّلع على كل الأحداث قبل أن تنتهى، ونكون على علم بأى جديد، ونعرف التريند أول ما يبدأ، ونشتغل كتير ونكسب ياما ونجيب كل اللى نفسنا فيه دفعة واحدة، وعشان ده يحصل بندخل في صراعات على أهداف وهمية وامتيازات سرابية بنخسر على حسها أعز ما نملك وهو راحة البال، أما اللايف ستايل المسمى بالـSlow Living فهو العكس تمامًا، مش عيب نشتغل وننجح ونكسب ونروح ونيجى ونحلم لسابع سما، بس واحنا واخدين بالنا من أهم جوانب حياتنا.
هل يعقل أننا في زحمة سباق الجرى لمسافات طويلة في الحياة ودون توقف لالتقاط الأنفاس نتفاجأ بأن أولادنا كبروا ومالحقناش نستمتع بكل مراحل نموهم، فاتنا نلعب معاهم وهمّا أطفال، ونحكِّى معاهم ونسمعهم وهمّا مراهقين، وننصحهم وهمّا شباب، نسينا نقضى إجازة سعيدة عشان المصاريف كانت كتيرة، ماشبعناش من أكلة حلوة عشان كان ورانا بعدها مشاوير مهمة، راحت مننا مناسبات ما تتعدش عشان كان فيه شغل لازم نخلصه، صدقنا بكل سذاجة مقولة Time is money ودفعنا التمن من شبابنا وعمرنا، مع إن الوقت أغلى بكتير من الفلوس، لأن ببساطة أي فلوس في الدنيا ممكن نعوضها، الدنيا نفسها مكسب وخسارة ومع كل مكسب فيه خسارة وبعد كل خسارة في مكسب.
لكن الوقت عمره ما يتعوض ولا يرجع من الأول، وعشان كده إحنا محتاجين نهدِّى اللعب شوية ونقف ثابت ف الصف ونفكر بتركيز وحكمة، ووقتها هنتأكد إن الفرص الحقيقية لصالحنا بتلف وترجع لينا، والأحداث حوالينا مش جديدة، كل ما هنالك أنها بصيغ مختلفة وحتى الناس ما بتخلصش، المسألة وما فيها أن الأصيل بنغلى معاه والفالصو بيقع مننا وكل الأشياء تعمل معًا لخيرنا، وأول ما نوصل لكل هذه النتائج المؤكدة سلفًا، هنطبق قاعدة باريتو على الفور في كل جوانب حياتنا وإحنا مرضيين، ودى القاعدة اللى اتهرت شرح وتفسير قبل كده كتير، ومع الأسف قلوبنا صنم وعقولنا بجم، لكن نقول كمان يمكن في الإعادة إفادة.. المبدأ ينص على الآتى:
4% من التفانى في العمل يؤدى إلى 64% من النتائج
1% من الذي نقدمه يؤدى إلى 50% من الذي نحصل عليه
الحكاية عايزة ترتيب أولويات والانتهاء من الأهم فالمهم، ثم إن الحكمة تقول «ما قل وكفى خير مما كثر وألهى»؛ إذن خد راحتك يا ابن آدم، كُل واشرب والبس وانزل واطلع وسافر وارجع واشتغل وحقق كل أحلامك على مهلك، الدنيا مش هتطير والإرادة الإلهية أعظم من مخططات البشر، استمتع بكل اللى هتشوفه في رحلتك، الاستمتاع الحقيقى في الطريق المؤدى إلى، مش في المحصلة النهائية، ما تقولش وماذا بعد؟ لأن ربنا له المجد، له الأمر من قبل ومن بعد.
التعليقات