فكرة تثير الضحك وأداء مُحكم من ممثلين أحسن المخرج اختيارهم وتوظيفهم ثم السيطرة عليهم ..
ومواقف كوميدية مكتوبة بحرفية وإلمام تام بأبعادها لا تملك سوى أن تصفق لفرط الإعجاب بشكل وتصميم وبناء وألوان مفردات ديكور عيادة طبيب الإجهاض ورؤية المقطع بأكمله.
الحب في المدرجات
مظاهرة نسائية عارمة
في محاولة خبيثة لتكريس السينما الرديئة، خدعوك فقالوا : «الجمهور عاوز كده»، بينما نسف الجمهور نفسه زيف المقولة؛ عندما تجاوب، بشكل فاق التوقع، مع فيلم «حامل اللقب»، الذي يقوم ببطولته هشام ماجد ودينا الشربيني مع محمد سلام، وتصدر الإيرادات، بينما احتل فيلم «الجريمة»، بطولة أحمد عز ومنة شلبي، المركز الثاني، وتراجع فيلم «من أجل زيكو»، بطولة كريم محمود عبد العزيز ومنة شلبي، إلى المركز الثالث، وتذيلت قائمة الإيرادات أفلام : «11.11»، بطولة إياد نصار وغادة عادل، «تماسيح النيل»، بطولة خالد الصاوي ومصطفى خاطر، بالإضافة إلى : «قمر 14»، «معالي ماما» و«الكاهن»!
شيء لا يُصدقه عقل
مسخرة على غرار فانتازيا الميهي
ما الذي يعنيه هذا؟
معناه، ببساطة، أن الفيلم الجيد يفرض نفسه، وأن النجاح لا يتأتى بالنجوم وحدهم؛ بل بالاتقان، والاجتهاد، وقبل هذا كله الفكرة الطازجة، والقدرة على التجديد، والإبداع، والابتكار، وكلها - في رأيي – عوامل توافرت لفيلم «حامل اللقب»، الذي ينبغي أن أتوجه بالتحية إلى صاحب فكرته كيرلس أيمن فوزي، الذي يُذكرك بسينما رأفت الميهي (29 سبتمبر 1940 - 24 يوليو 2015)، التي أصطلح على تسميتها «فانتازيا» بينما كان يُسميها «مسخرة»؛ فالفيلم الذي كتبه هشام ماجد وإيهاب بليبل، وأخرجه هشام فتحي، الذي لا أصدق أنها تجربته الإخراجية الأولى، في مجال الفيلم الروائي الطويل، يسحرك بجاذبية فكرته، وتدفق إيقاعه (مونتاج أحمد عاصم)، وهارمونية أداء أبطاله، والتوظيف الرائع لتصويره (طارق دراز)، وحجم لقطاته، مع مضمونه، فضلاً عن جمال موسيقاه (مصطفى الحلواني)، وسلاسة ديكوره (كريم المهدي).
طبيب أمراض النساء والولادة
عدو المرأة
مؤتمر صحفي على الهواء
«حامل».. «اللقب»
يحقق عنوان الفيلم، في حال أمعنا قراءة شقيه، المراد من رسالته؛ سواء على صعيد طرافة فكرة البطل، الذي يُصبح «حاملاً» في جنين، أو كونه لاعب كرة قدم شهير مؤهل لأن يتوج ب «اللقب». لكن أهم ما يلفت النظر أن معالجته انطلقت من معادلة قتلتها السينما المصرية مناقشة وبحثاً؛ محورها : «عدو المرأة»؛ إذ أنتجتها في فيلمين بنفس العنوان؛ أولهما كتبه بديع خيري ومحمد كامل حسن المحامي، عام 1946، من بطولة صباح ومحمد فوزي، وإخراج عبد الفتاح حسن، والثاني كتبه محمد أبو يوسف، عام 1966، عن قصة للكاتب الكبير محمد التابعي، بطولة نادية لطفي ورشدي أباظة، وإخراج محمود ذو الفقار، لكن «حامل اللقب» اتخذها ذريعة ليدخل مباشرة في قضيته، التي رصد من خلالها مظاهر المجتمع الذكوري، والنظرة الدونية للمرأة، وتنامي سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة النسل، وفساد رياضة كرة القدم، من جهل بالبدهيات، و«سمسرة»، وعمولات، لكن طوال الوقت، وهي النقطة التي تُحسب له، لم يقع في فخ المبالغة أو الخطابة والمباشرة، مثلما لم يقرب الابتذال، وظل حريصاً على تناوله المحترم، و«إفيهاته» الراقية غير الخادشة، رغم أن موضوعه كان يتيح، لمن أراد، مثل هذا الخروج والتجاوز !
انتفاضة نسائية
الزوج والزوجة والحماة
تحتدم أحداث الفيلم، في اللحظة التي تنفلت فيها أعصاب نجم الكرة «يحيى» (هشام ماجد)، في المؤتمر الصحفي الذي أعقب مبارة لفريقه، ويتنمر بمراسلة صحفية، جاءت إلى المؤتمر، وهي «حامل»، وعلى الفور تفتح مواقع التواصل الاجتماعي أبواب الجحيم في وجهه؛ بحجة أنه «عدو المرأة»، وبينما يدخل في روع المتابع لأحداث الفيلم أن الأزمة انتهت بتظاهرات الاحتجاج النسائية، التي اندلعت ضده، يُخبيء لنا السيناريو، الذي كتب ببراعة، ومهارة، حيلة، بل مفاجأة، من التي أصطلح على تسميتها «العُقدة الدرامية الملتوية» The Plot Twist. لكن حتى نصل إلى الحبكة يُصدم «يحيى» في أعز ما يملك، وهي موهبته كلاعب كرة قدم، عندما يكتشف أنه «حامل»، ولأن خلافاته وزوجته «مسك» (دينا الشربيني)، طبيبة أمراض النساء والولادة، مُنصب أغلبها، وطوال الثلاث سنوات زواج، في توقها للإنجاب، والأمومة، ترفض، بشكل قاطع، أن يُجهض زوجها الجنين، بينما يُصر عليه، حفاظاً على مستقبله الكروي، وسمعته الاجتماعية، ويأخذنا الفيلم «الممتع» في رحلة، أو سلسلة، من المواقف الطريفة؛ سواء في دهاليز كرة القدم، التي يبذل اللاعب قُصارى جهده لاخفاء «الفضيحة» عن مدربه «نبراوي» (أحمد فتحي)، ورئيس النادي السعودي (علي الحميدي)، الذي سينتقل إليه، أو في محيط حياته اليومية، لدى شقيقته «رانيا» (دنيا ماهر)، ووالدة زوجته «شهيرة» (ليلى عز العرب)، في ظل اضطراره، لإبلاغ وكيل أعماله «سمير» (محمد سلام)، والطبيب (محمد ثروت)، الذي سيجري له عملية الإجهاض (أفضل ما قدم محمد ثروت منذ بداية مسيرته الفنية)!
طبال سابق
تكتيك كروي
فيلم مصنوع بحرفية
فكرة تثير الضحك، وهي مكتوبة على الورق، فما بالك وأنت تتابع تفاصيلها على الشاشة، بأداء مُحكم من ممثلين أحسن المخرج اختيارهم، وتوظيفهم، ثم السيطرة عليهم، ومواقف كوميدية مكتوبة بحرفية، وإلمام تام بأبعادها؛ خصوصاً عالم كرة القدم، الذي تستشعر، وكأنك تعرف أبطاله؛ سواء المدرب «نبراوي» بلهجته البورسعيدية المُحببة، وضعف شخصيته مُقارنة بنجم الفريق، أو «سمير» الجاهل، وكيل اللاعب، الذي كان «طبالاً» يجمع النقطة خلف «الراقصات»، أو وقائع المؤتمر الصحفي، التي تنطق بما يعتمل في الرياضة المصرية من جهل و«فهلوة». وطوال الوقت ينتزع الحوار إعجابك (المدرب يُصافح اللاعب عقب خروجه وسجوده، قائلاً : حرماً)، وتحظى «الإفيهات»، التي تخلو من التصنع، بابتسامتك (زوجة البطل تطير فرحاً بخبر الحمل وتبادره : " بأفكر أطلع عُمرة" فيعلق بتلقائية :"دلوقت ؟")، وتلعب الموسيقى دوراً كبيراً في إضفاء بهجة، ومرح، وتتعمق رومانسية البطل وزوجته، بإعادة توزيع تيمة "وياك الدنيا وياك"، تأليف عبد العزيز سلام، وغناء وتلحين فريد الأطرش، كما يُدهشك، ويُضحك أيضاً، توظيف صوت الأيقونة الفرنسية إديث بياف، والإيقاع، الذي يلتهمك، ولا تشعر، في أية لحظة، بأنه بدد وقتك، بينما لا تملك سوى أن تصفق، لفرط الإعجاب، بشكل وتصميم وبناء وألوان مفردات ديكور عيادة طبيب الإجهاض، ورؤية المقطع بأكمله؛ بداية من الممرضة «الشمال»، مروراً بصوت «سرينة الخطر»، التي تُنبيء بقدوم البوليس، وصولاً إلى «الثلاجة الصورية»، التي يستخدمها الطبيب، وحالاته المشبوهة، كنفق عند الهروب من «الكمين»؛ فكل شيء في فيلم «حامل اللقب» مصنوع بحرفية هائلة، ومن دون تعال، وبخفة ظل افتقدناها طويلاً في الأفلام الكوميدية العربية. والأهم أنها مصنوعة بطاقات فنية شابة، ربما مجهولة بالنسبة لنا، لكن الجمهور كافأها، وثمن جهودها؛ عندما وضعها على قمة شباك الإيرادات، وهو يصرخ فينا بأعلى صوته : «هو ده إللي أنا عاوزه» !
رسالة كروية معروفة
مدرب بورسعيدي معروف
التعليقات