من دراستنا للتاريخ؛ تعلمنا أن لكل دولة "كالدولة البيزنطية والأموية والعثمانية" عصر ازدهار وعصر ضعف واضمحلال .... وليس بالضرورة أن يكون عصر الضعف هو نهاية الدولة؛ فعادة ما تتبع فترات الخمول فترات انتعاش، وهذا بناء على الحاكم .... حيث كانت الإجابة الثابتة لأي سؤال عن سبب تدهور حالة دولة تاريخية هي "بسبب ضعف قوة ونفوذ الحكام"، ومع الوقت أدركنا أن هذا ينطبق على كل شيء في حياتنا .... وخاصة حياة الإنسان فهي عبارة عن فترات خمول تليها فترات ازدهار.
جورج برنارد شو قال:" كان هيجل على حق عندما قال إننا نتعلم من التاريخ أنه يستحيل على البشر التعلم من التاريخ." لأن ببساطة كل ما هو حولنا يتغير إلا الطبيعة البشرية ،والتاريخ عجلة يدور ويعيد نفسه ،ونخطئ كل مرة في التجارب نفسها، لأننا ننتظرها نصا.
ينجح الشخص عندما يدرك قانون الحياة بأنه يسقط لينهض، ويفشل ليتذوق النجاح، وهذا ما ينطبق على الكابتن "محمد أبو جبل" حارس مرمى فريق الزمالك ومنتخب مصر.
ما هو ثابت في أذهاننا جميعا عن لاعب كرة القدم أن عصر ازدهاره بين العشرين والثلاثين، فكيف لشخص محاط بأناس بهذه العقلية ويمر بفترة خمول ولم يحظ بأية فرصة لتحقيق حلمه وتقديم نفسه إلى الناس ليقول " أنا موجود " ..... ومع ذلك يستمر ويستمر مؤمنا بأن له وقته "عصر الازدهار الخاص به" حتى وصل إلى سن الثلاثة والثلاثين عام ..... قليل ما نسمع عن لاعب كرة قدم يزدهر في هذا العمر .... ليس لعدم وجود مثل هذا الشخص، بل لعدم وجود هذا القدر من الإيمان والصبر الذي مكنه من الاستمرار في السعي بحماس وشغف البدايات ..... ليحقق في شهر ما حققه أناس غيره في سنين، ليذهب في بطولة يستنكر فيها الجمهور حتى مجرد ذهابه ضمن تشكيلة المنتخب، وعندما نزل إلى الملعب بعد إصابة الكابتن (محمد الشناوي) "حارس مرمي فريق الأهلي ومنتخب مصر" في مباراة كوت ديفوار .... علت الهاشتاجات على مواقع التواصل الاجتماعي متنبئة بالهزيمة ..... ليحدث ما خالف توقعات الجميع ليكون سببا للفوز في ثلاث مباريات متتالية ولم يكن سببا في الهزيمة في المباراة النهائية ضد منتخب السنغال "الذي توج بالبطولة لأول مرة في تاريخه" .... لتنتهي البطولة، ويعود نجم البطولة ونجم منتخب مصر الذي يهتف باسمه الملايين، وتعلوا صيحات الحب والتقدير على مواقع التواصل الاجتماعي ليصبح اكتشافه لذة لهزيمتنا.
يستمد الفريق القوة من قوة الحاكم والقائد وتفرده ومدى ثقة أعضاء الفريق فيه .... نعم؛ هو الكابتن "محمد صلاح" قائد منتخب مصر ولاعب في نادى ليفربول .... ظهرت قوته وحكمته في إدارة الموقف في العديد من المشاهد خلال البطولة وتم تأكيدها من خلال تصريحات العديد من اللاعبين في منتخب مصر منهم " أبو جبل ومحمد النني و أحمد سيد زيزو" حيث عبروا عن مدى تقديرهم وامتنانهم إلى محمد صلاح الذي أدى دور القائد على أكمل وجه وخاصة في مباراة الكاميرون حيث تعرضوا للعديد من المضايقات والعقبات التي تحول دون فوزهم ولكنه سيطر على الأمر.... وكان هو من يتصدر إلى الحكم "بكاري جاساما" -الذي أظهر من البداية غضبه وتعنته وانحيازه لمنتخب الكاميرون - .... وهذا تحسبا لأي مشادة كلامية وخاصة بعد طرد المدير الفني "كيروش" والكابتن "وائل جمعة" ليؤول الأمر في النهاية إلى فوز منتخب مصر "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
الجمهور المصري جمهور ناقد، لاذع، لا يرحم ... لم يفرح لمنتخب بلده بالحصول على المركز الثاني في البطولة التي حصل عليها سبع مرات من قبل ... وصنفها هزيمة ... وعلى الفور ألقى باللوم على الفريق وخاصة محمد صلاح الذي اتهموه بأنه لم يلعب في منتخب مصر بمستوى لعبه في نادي ليفربول مع عدم الالتفات لحقيقة أن كرة القدم لعبة جماعية وأن لأعضاء الفريق تأثيرا على أدائه وحالته النفسية .... وكل هذا لأنه بمجرد إعلان فوز منتخب السنغال تم إغلاق جميع شاشات عرض المباراة وهم الناس بالرحيل غاضبين ..... إلى أن توالت صور بكاء أعضاء فريق منتخب مصر وحسرتهم على الخسارة وعلى رأسهم محمد صلاح ليظهر في اليوم التالي في مران فريق ليفربول حزينا مكتئبا .... ليعتذر منه الجميع ومن باقي أعضاء الفريق، ثم بدأ الجمهور في مواساتهم بأنهم أدوا ما عليهم وأنهم كانوا رائعين، حيث عليهم السعي وليس النتيجة .... لنصل في النهاية أن الجمهور المصري على الرغم من كرهه للخسارة ورغبته الدائمة في الحصول على المركز الأول .... إلا أنه جمهور محب ،حاضن ، متفهم ، صادق ، لا يقبل بالظلم ويعود إلى موقفه الصحيح بالاعتذار مهما كبر الخطأ.
التعليقات