هل من الممكن أن ينسج الكاتب واقعا نراه بأعيينا ونشعر به بكامل وعينا ومطلق حواسنا العقلية والفكرية دون أن نشعرأو نعي للحظة واحدة أنه لا فرق يذكر بين الخيال والواقع وأنه قد تم أنصهارهما في بعضهما البعض في سلاسة غير معهودة وغير متبعة بهذا الشكل السهل الممتنع، فبرغم واقعية الأحداث التاريخية والمثبتة في الكتاب المقدس بما لايدع مجالا للشك والمتضمنة في نشأة وتطور الصراع المذهبي بين الطوائف المسيحسة في المشرق ورغم أن الكاتب هو أول روائي مسلم يتحدث باستفاضة وجراة يحسد عليها عن اللاهوت المسيحي ورغم أن الموقع الجغرافي لأحداث الرواية تدور بين مدينة الفن الخالد "الإسكندرية" ومدينة القسطنطينية مهد الحضارات نجد الكاتب يغوص بنا في أعماق خيال مواز للأحداث الحقيقة التي ذكرت سابقا وتتخطاها الى ماهو أبعد بكثير من ذلك فيتحرك تارة نحو واقع موثق بالرقائق الثلاثون في تفصيل بطيئ الحركة لسرد أدق التفاصيل الخاصة بأسقفف القسطنطينية "نسطور" و"كيرلس" أسقف مدينة الأسكندرية ويترنح تارة أخرى الى خيال متقن يغزل به أحداث الرواية فيسهب الحديث عن الشخصية الأسطورية الخيالية "هيبا" ذلك الأنسان الذي يخطأ ويصيب، يرتقي لأعلى الدرجات في علاقته مع ربه ويهبط تارة أخرى الى سابع أرض غارقا في ملذاته وشهواته مع "أوكتافيا" المرأة اللعوب التي لاتدخر جهدا في الصعود به الى الهاوية.
نعود إلى الشخصية الرمزية والمحورية في نفس ذات الوقت " هيبا" فهي تمثل الأنسان المعاصر للقرن الحادي والعشرين المليء بالشكوك بكل جوانبه الأيجابية والسلبية والتي تتعارض مع بعضها البعض فلا تعلم حقيقة من خيال ولا تركن الى ثوابت من متغيرات فهو شخصية جدلية بكل ماتحمله الكلمة من معاني وأقرب الى النفس البشرية التي يقتلها ضميرها أحيانا وتقوم بقتله أحيانا أخرى.
يذهب الكاهن "هيبا" بعد ذلك بعيدا عن قريته بعد أن وشت أمه المسيحية بوالده الوثني فتم الفتك به وقتل وتزوجت أمه قاتل زوجها بلأ أدنى مراعاة للضمير الحي وينحرف هيبا الى أبعد من ذلك باحثا عن الدين والعلوم الطبية ومن خلال تلك الرحلة المشوقة نتعرف على تاريخ الخلافات في الكنيسة المسيحية.
يأتي الحدث الأهم في تاريخ الرواية وهو العام أربعمائة احدى وثلاثون ميلادية وهو العام الذي تم فيه اعتماد الامبراطورية الرومانية للديانة المسيحية عندما عزل البابا "كيرلس" في مدينة الأسكندرية البابا القائم في تركيا بعد انتقاد الأخير له بشكل عنيف وتأتي دوما مدينة الأسكندرية على رأس أهتمامات الكاتب يوسف زيدان فهو يعشقها عشقا ويجد في ربوعها متسعا من الوقت لينسج رواياته على مهل وتؤدة متيمنا بضفاف شاطئها العجيب – شاطئ الغرام - الذي كان يوما من الأيام يضاهي أجمل شواطئ العالم، ويحضرني في هذا المقام أن أذكر لكم قرائي الأعزاء واقعة حدثت لي شخصيا عندما كنت في زيارة قصيرة لهذه المدينة العريقة منذ عدة سنوات في أحد الفنادق التابعة للقوات المسلحة في قلب حي المنتزه وتحديدا في حي المعمورة حيث كنت أقرا بالصدفة البحتة كتاب اللاهوت العربي وأصول العنف الديني للكاتب يوسف زيدان واذا بي افاجأ بوجود الكاتب في بهو الفندق الذي أقيم به ولم أكن أعرف ملامح وجهه تحديدا انذاك ودار بيني وبين الكاتب حوارا قصيرا حول محتوى الكتاب وسألني عن رأيي في مضمونه ومحتواه فأخبرته بأن الكتاب متخصص جدا ولا يصلح لقارئ عادي مثلي أن يدرك جميع جوانبه وقضاياه المتخصصة ولهذا قمت بقرائته قراءه سريعة لتصفح بعض المعلومات القيمة بين ثنايا الكتاب ليخبرني الكاتب في نهاية الحديث القصير بأنه يوسف زيدان مؤلف الكتاب وكانت سعادتي لاتوصف عندما طلبت منه كتابة اهداء خاص بخط يده ليكون هذا هو أول اهداء أحصل عليه من كاتب ، وقد أخبرني أيضا بأن مدينة الأسكندرية العريقة تمثل العشق الأول والأخير له وأن معظم رواياته يكتبها من هنا من هذا المكان المنعزل عن كورنيش الأسكندرية وتيقنت من ذلك عندما قرأت بعد ذلك بفترة ليست طويلة رواية " نور" لنفس الكاتب والتي تدور جميع أحداثها حول مدينة الأسكندرية وأهلها فالارتباط بمكان وزمان يجعل من أحداث الروايه مذاقا خاصا.
عزازيل رواية تاريخية واقعية خيالية لها جل الأثر في نسج تاريخ الكنيسة القبطية ممزوجة بخليط من الروح السكندرية وعبق الماضي الأصيل.
التعليقات