سمعت مقولة في فيلم أجنبي شاهدته مؤخرًا، كان البطل وحبيبته يبحثان عن شجرة الكريسماس، وبعد اقتلاع الشجرة من الغابة، غرس البطل مكانها شجرتان صغيرتان ولما تعجبت حبيبته من فعله، قال لها: "لقد تعودت إذا أخذت شيئا أُحبه من مكان مررت به، أن أترك خلفي شيئان أجمل يعبران عن حسن مروري به".
مقولة مذهلة بحق!!
كم شخص تعرفه في دائرتك يطبق هذه القاعدة الذهبية؟
نحن أبعد ما نكون عن جودة المرور في حياة بعضنا البعض.
أفضلنا خُلقا من يعطي كما يأخذ، نراه كريم الأصل جميل المعشر، نأمن لجواره.
عرفت في دنياي أُناس شغفهم الأول الأخذ، وعطائهم لأجل أن يقال عليهم أنهم على خير.
ثم راجعت نفسي مليا فوجدت منا من يفضل العطاء ويسعد به، لكن فكرة أن تترك خلفك ضعف ما أخذت لم تخطر ببالي حقا.
هي بحق فكرة عبقرية تحتاج للتدريب، تحتاج الكثير من الإيثار وضبط النفس لخلق الصبر الذي يجبرك على هذا المسلك.
لا شيء في الدنيا يوازي أن تكون محبوبا، هي جواز مرورك الآمن للآخرة.
لا أروع من العطاء، ولا أسوأ ممن يشوش لهفتك على جميل تصنعه، فيقف حائلا بين نفسك وقدرتك على فعل الخير.
لو كان قدرك في مواجهة شخص يكسر عزمك الدائم عن جميل بداخلك، فلتجعل شاغلك الأول والأخير اسقاطه من دائرتك.
كن نفسك التي تعرفها وتقدرها، استمتع بكل ما وهِبت من جمال ونمّيه.
انتصاراتك الصغيرة وحدها ما يبقيك قويا أمام كل من يسئ إليك. اقترب أكثر ممن يَصُن وِصَالك ويدعم ركيزة قلبك ويناضل معك لتبقى بخير.
لا علاقة لسنوات العمر كثيرًا بنضجَك، نحن نكبر بمرور الأنذال في حياتنا!!
كن بخير رغم حقيقة أنك لست كذلك في كثير من الأحيان.
تغيرت؟ نعم وبشدة.
الصفعات الغير آمنة ممن كان لهم موعد دائم في القلب، تعيد تشكيل وجدانك على نحو لا تتوقعه.
إنه تغيير يفيدك بقسوة.
لو كنت قاضيا لحكمت على الكثير بالنفي الأبدي، أما وإنك لست كذلك، طبق الحكم عليهم في قلبك.
بعض القلوب لا ترتضي بقمح فؤادك، هؤلاء يكفيهم فقط فتات الطريق.
أَحِب حياتك التي وهبك الله إياها فهو يراقبك من خلالها ويدقق في عطاياه بداخلك، يختبر بداخلك جَمْيلَه على عمرك.
الأمان الأوحد في الدنيا هو مرورك العابر بجوار آلامك وتركها خلفك كأنها لم تكن. تصنع بذلك الأرض الصلبة التي تقف عليها وتتحدى وتصارع من خلالها روحك حتى لا ينطفئ خيرها.
ولكن ..
هيهات للقلب أن يقبل بنصف الحياة، اجتهد لتحيا من الآن فصاعدًا على ضعف ما أخذت من العطاء.
أستطيع وأنا على الأرض أن أخاطب السماء بجميل صُنعي وحسن بقاء الرخاء بداخلي.
لن يغير القبح حسن النفوس، فمُلكي الأبدي في دنيتي، هو نفسي.
استثمر خيبات العمر لصالحك، ولا تتعجل انتصار الله لك، فقد يكون المقصد الوحيد هو أن تتعلم كيف تُبْصِر وليس كيف ترى.
كن شاهدًا على انتصارك، على ضعفك وعلى اجتيازك لكل خذلانك.
الدنيا لا تحتَرم من يعش شهيدًا بضعفه، ومن لا ينفعك قربه فلتُفْلِته بجراءة.
ابتسامك أمام أحزانك لا يعني أنها غير موجودة، بل يعني أنك قادرًا أن تتعامل معها بجودة.
افطم ذاتك! وكن ممتنا لكل من ترك ندوبا بداخلك، فلولاهم ما أدركت اليوم حجم قوتك.
ذاك النور المنفرج عن حنايا روحك هو نتاج ظلام سئمت أن تحيا بداخله.
ابسط يدك بالمحبة فدائما ستصادف من يتعلق بها. لا مكان للعتمة بداخلي، فالنور يحيي القلوب بعد موتها.
لو أنك تغرق وتتنفس فقط من أنبوب رفيع يوصل لك الهواء، ثق أَنَك ستنجو؛ أنت هناك فقط لتتعلم من تسأل النجاة.
مُقَامك ما أقمت قلبك في خير، فأسقط خيبات من ذهبوا للمنفى، فكما سُجِلت مخافتك ستنعم يوما ما بانتصاراتك.
التعليقات