هل تعلم أنك غير قادر على خسارة تلك الكيلوغرامات الزائدة بسبب طفلي الداخلي يؤذيني؟ وهل تعلمين أن زوجك يعاملك بهذا اللؤم بسبب طفله الداخلي؟ وهل تعلم أنك غير قادر على ترك التدخين بسبب طفلك الداخلي؟ ما هو هذا الطفل الداخلي أصلاً؟
الطفل الداخلي الذي كثُر الحديث عنه في أوساط خبراء الوعي والطاقة ومحبي التنمية- ونعم ممارسي البرمجة اللغوية العصبية التحويلية- هو في الواقع ذاك الطفل الصغير (أو الطفلة) الذي يتراوح عمره بين 4 و7 سنوات تحديدا، والذي تعرض في هذه الفترة الحيوية من حياته إلى صدمة عميقة تركت بصمتها على برمجته حتى أصبحت جزءاً من هويته أو كادت.
ذاك الطفل الصغير بقي عالقاً في تلك المرحلة من الحياة، رغم أنه كبر بالجسد وتغيرت ملامحه وتقدم بالسن.. إنه لا يزال موجوداً هناك في الداخل، يطل برأسه ويعبث بين الحين والآخر بصاحبه ومن حوله (وفقاً لدرجة سلطة الشخص على من حوله) من خلال دفعه إلى التصرف على نحو يضر أكثر مما ينفع، كالسعي لإرضاء الآخرين على حساب نفسه وتقديم التضحيات بلا داعٍ أو الشراسة في الدفاع عن النفس في أتفه المواقف أو النمط السلوكي الشائع في اللجوء إلى الحلويات أو التدخين في أوقات الشدة.
من حيث المبدأ، يأتي كل إنسان إلى الدنيا وعنده مجموعة من الحقوق الأساسية الممنوحة له ربانياً، ومنها حق أن يكون عنده رغبات وطلبات، وحق أن يكون موجوداً وأن يُحترم وجوده في الحياة، وحق أن يكون محبوباً بدون شروط (كالجنس ولون البشرة وطبيعة الشعر والمستوى الأكاديمي ومستوى الأسرة المادي.. الخ)، وغيرها من الحقوق التي تتفاوت في أهميتها (لو اعتبرناها قيماً مثلاً) عند كل شخص حسب تجربته في الحياة. ولعل من أهم هذه الحقوق التي يتمتع بها الإنسان ربانياً بمجرد وصوله بالولادة إلى هذا الكوكب الجميل الأزرق، حق الانتماء وحق الشعور بالأمان مع الناس الذين ينتمي إليهم. وهذا موضوع كبير جداً سأناقش جانباً منه فقط هنا.
عندما يستيقظ الشخص على حقيقة أنه كسب 20 كيلو غرام زيادة، وأنه حان الوقت للتصرف بهذا الشأن واتخاذ اللازم، سيتخذ اللازم فعلا ويسجل في النادي ويشتري كامل العدة من ملابس وحقيبة وبساط يوغا وأوزان وغير ذلك، ويتبع نظاماً صحياً وقد يستشير طبيب تغذية ويحقق بالفعل تغييراً ملحوظاً يرفع المعنويات في وزنه وشكله. وكل هذا جميل ورائع، إلى أن يزول مفعول الفكرة الطارئة وتستعيد البرمجة الأصلية سيطرتها فيفقد صاحبنا همته ويعود إلى عاداته الغذائية السابقة ويرجع في أقل من عام إلى شكله السابق. فما الذي جرى؟
إنه طفله الداخلي، نعم يا سادة! لقد تعلمت مؤخراً في ورشة للأستاذ عيسى عساف أنه على مستوى اللاشعور تكون بعض القيم أقوى من غيرها حتى لو يكن الشخص يمنحها الأولوية. ويمكن الاستنتاج بناء على هذه القاعدة أنه إن كان الطفل الداخلي فاقداً لحق الأمان فإنه سيجعلك تلجأ إلى سلوكيات تضمن له ذلك الشعور بالأمان مثل التراخي عن الرياضة وتناول ما تشتهي النفس بدون حساب. ومع أن الشخص لاشعورياً قد يعطي قيمة "الرشاقة" الأولوية على قيمة "الأمان"، غير أن "برمجة الأمان" أقوى من "برمجة الرشاقة" عنده.
وقد تكشَف من خلال جلسات عديدة في البرمجة اللغوية العصبية التحويلية أن الشخص المبرمج على البحث عن الأمان سيقاوم لاشعورياً كل ما يهدد هذا الأمان. الذهاب الى النادي وممارسة الرياضة ينطوي على مجهود بدني كبير وتعب شديد، أو ضرورة مخالطة أناس جدد ومجاملتهم، أو ما يترتب على التسجيل في النادي من التزامات مالية واجبة السداد، وكل ذلك لا يناسب هذا الطفل الذي يريد أن يستريح بهدوء في ركنه المريح بدون إزعاج، بدون الحاجة إلى التعامل مع أحد لا يعرفه، وبدون أن يخاف من عدم قدرته على السداد.
وبما أن "ضميره" يؤنبه على هذا التراخي، سيغضب الصغير ويركل الأرض برجله الصغيرة ويبحث عن شيء يملك السيطرة عليه وهو في متناول اليد فيأمر صاحبه أن يرفع السماعة ويطلب "دليفري" وخاصة تلك المأكولات اللذيذة الغارقة بالصلصات وأنواع الأجبان الذائبة المختلفة والمعجنات الساخنة الدسمة ذات المذاق الحلو التي ترضي ذاك الطفل المضطرب (وتذكره بحليب أمه- الذي هو بالمناسبة الغذاء الوحيد في الطبيعة الذي يجمع بين كونه غنياً بالدهون وحلو المذاق) وتهدئ نفسه كما تمنحه نوعاً من السيطرة على الأحداث: رفع السماعة وطلب الدليفري وسداد مبلغ صغير ثم الاستمتاع بالوجبة، وهكذا يضرب عصفورين بحجر واحد.
ويحدث أحياناً في العلاقات الزوجية وحتى في علاقات الصداقة أو علاقة الأهل بأولادهم مشادة بين طرفين حول أمر ما، فهذا يريد ما يرفضه الآخر. وهي فرصة مواتية ليطل الطفل الداخلي برأسه ويعبر عن وجوده. مثلاً، عندما يغضب الزوج، خاصة إذا كان الطرف الأقوى في العلاقة، فإنه يلجأ إلى استراتيجية حرمان الزوجة من المصروف؛ أو قد تلجأ الزوجة، إذا كانت هي الطرف الأقوى في العلاقة، إلى حرمان زوجها من عطفها وحنانها وترفض القيام بواجباتها المنزلية خاصة إن كان لا يتقن الكي ولا يعرف فنون الطبخ... تماماً- إذا لاحظت- كما يلجأ الولد صاحب اللعبة الأجمل في الروضة إلى حرمان رفاقه من اللعب بها عندما يغضب منهم.
خبراء الطاقة يقولون هنا أن "الجسد المشاعري" توقف عن النمو عند السن الذي حدثت فيه الصدمة (التروما)، لذلك ترى الرجل الناضج والمرأة الناضجة يبديان تصرفات أشبه بتصرفات الأولاد، وها أنت الآن تعرف السبب: الطفل الداخلي الذي علق بالزمن.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف أرضي طفلي الداخلي حتى أوقف السلوك التدميري الذي يؤذيني أنا ومن حولي؟ الجواب هو أن من فضل الله تعالى علينا أن أتاح لنا العديد من العلوم المفيدة والنافعة ومن بينها علم "البرمجة اللغوية العصبية التحويلية" التي تمكن الشخص بفضل تقنياتها واستراتيجياتها المدروسة من التوصل إلى الموقف الذي تكونت فيه البرمجة، ومن ثم إجراء "تحديث" عليها وتعديلها، فكما صرت تعرف الآن "عقل الإنسان غير مصمم على تحديث نفسه بنفسه" وذلك بالطبع من أجل القيام بمهمته الأساسية وهي حماية صاحبه من أية أخطار يعتبرها حسب برمجته الفطرية مهددة للحياة.
وهكذا، في المرة القادمة حين تضبط نفسك وأنت تتخذ قراراً لاشعورياً مثل "أعوذ بالله من الريجيم" أو "الحياة قصيرة دعني أستمتع بها وآكل على راحتي وأفعل كل ما أشتهي" أو "لا فائدة الرياضة إذا كان كل شيء سيعود كما كان بعد شهور قصيرة" أو "في المرة القادمة لن أرضى حتى لو سجل لي برج خليفة باسمي" وما شابه، اعرف أنه صوت طفلك الداخلي وليس صوتك أنت. وهنا بعد أن تصل إلى هذا الإدراك، بادر إلى التواصل مع ذلك الصغير الخائف وطمأنه وأعطه الأمان، ودعه يعرف أنك كبرت الآن ولم تعد في حاجة إلى حمايته لك بهذه السلوكيات، وأنك بالفعل في وضع أحسن وأفضل بكثير عما كنت عليه وقتذاك. وإن شعرت أنك بحاجة إلى المساعدة في ذلك، أمامك دوماً خيار جلسات البرمجة اللغوية العصبية التحويلية وأدواتها التي تمكنك من مخاطبة عقلك الباطن.. وحتى ذلك الحين، اسمح لي أن أقدم لك مساعدة بسيطة: فقط اسأل نفسك "ما هو اعتراضي على حصولي على كذا؟"
قد يبدو السؤال غريباً، لكن اطرحه على نفسك بجدية وتفاجئ بالملفات التي ستخرج من الأرشيف وتنفتح لك على هيئة صور أو فيديوهات مخزنة في عقلك.
التعليقات