في كل مرحلة من مراحل بناء الدول، يظهر سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره: "ماذا نفعل بالشباب؟". لكنه في الحقيقة ليس سؤالًا عن فئة عمرية، بل سؤال عن روح أمة، عن ديناميتها، وعن المستقبل الذي ترسمه لنفسها.
في مصر، اعتدنا أن نتعامل مع الشباب بوصفهم "المستقبل"، وهي عبارة جيدة في ظاهرها، لكنها تحمل خطرًا ضمنيًا: أن نؤجلهم إلى الغد، بينما هم حاضر يتدفق، وواقع حيّ لا ينتظر.
لقد تغيرت تركيبة هذا الجيل، ليس فقط في طريقة تفكيره، بل في وعيه، ومطالبه، وإيقاعه، وأدواته. لم يعد يطلب دورًا، بل يمارسه فعليًا في مجالات عدة، من التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إلى العمل الأهلي والمجتمع المدني، ومن ريادة الأعمال، إلى المبادرات التنموية على أطراف المدن وفي عمق الريف. هذا جيل يرى العالم كل صباح على شاشة هاتفه، ويقيس وعيه الشخصي بمدى تأثيره لا بشهاداته فقط.
من هنا، فإن الحديث عن تمكين الشباب لم يعد ترفًا تنمويًا أو شعارًا انتخابيًا، بل صار واجبًا وطنيًا بامتياز. وقد قطعت الدولة المصرية في السنوات الأخيرة شوطًا مهمًا في هذا الطريق، من خلال البرامج الرئاسية لتأهيل الشباب، ومؤتمرات الحوار الوطني، والمشاركة السياسية المتزايدة، ودعم ريادة الأعمال. لكن المرحلة القادمة تستدعي نقلة نوعية؛ من التمكين إلى الشراكة الفعلية. شراكة تجعل الشباب ليسوا فقط في موقع المتدرب أو المشارك، بل في موقع المؤثر.
نحن بحاجة إلى تجديد العقد الاجتماعي مع هذا الجيل؛ عقدٍ يعترف بوعيه ويثق بقدراته. عقدٍ يُدرك أن الشباب لا ينتظرون دورهم، بل يصنعونه. وأنهم لا يطلبون الامتيازات. بل يريدون تعليمًا يُواكب عالمهم، لا يكرر عالمنا.
ولا يخفى على أحد أن الصعيد تحديدًا – الذي أنتمي إليه وجدانًا وواقعًا – مليء بشباب يملكون كل شيء. شباب يملكون الوعي، والمهارة، والحلم، ويحتاجون فقط إلى من يؤمن بهم دون وصاية. ومن العدل أن تبدأ أي نهضة حقيقية من هؤلاء، لأنهم الأكثر التصاقًا بالواقع، والأكثر صدقًا حين ينجحون.
إن المشروع الوطني الكبير، الذي تقوده مصر منذ سنوات في البنية التحتية، والنقل، والتحول الرقمي، والتنمية الزراعية، يُساهم في تأسيس بنية فكرية جديدة، تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة وشبابها. علاقة تقوم على الثقة، لا فقط التوجيه. على التفاعل، لا فقط التلقين. علاقة تصنع المستقبل بالفعل، لا تؤجله إلى إشعارٍ آخر.
هؤلاء الشباب ليسوا مؤجلين. إنهم هنا… الآن. في الجامعات، في المزارع، في الورش، في الجمعيات، وفي ساحات الإعلام الجديد. ولعل أعظم ما يمكن أن نفعله تجاههم، هو أن نصدقهم حين يتكلمون، ونثق فيهم حين يتحركون.
لهذا، فإن الرهان الحقيقي في المرحلة القادمة لا يجب أن يكون فقط على ما تقدمه الدولة للشباب، بل على ما يمكن أن يصنعه الشباب جنبًا إلى جنب مع الدولة. لقد أثبتت القيادة السياسية أن ملف الشباب ليس مهمّشًا ولا مؤجلًا، بل حاضرٌ في صُلب المشروع الوطني، من ساحات التمكين إلى مواقع اتخاذ القرار. ويبقى الدور علينا – نحن الذين نؤمن بهذا الجيل – أن نكون جسرًا بينه وبين مؤسسات الدولة، وأن نفتح له مساحات حقيقية للتعبير والمشاركة لا مجرد النصح والتلقين. إنني أراهم لا فقط قوة قادمة، بل شُركاء حقيقيين في صياغة مصر التي نريد… مصر التي لا ترى شبابها حلمًا مؤجَّلًا، بل طاقة متجددة تصنع، وتُبادر، وتؤمن بأن الوطن لا يُبنى إلا بمن يؤمنون به.
علاء مكادي
سياسي مصري
التعليقات