ومن شدة تعلقك بأحدهم قد تتوهم أنه يناديك بصوته فتترك كل المهام الكونية إنها بالية فلتذهب إلى الجحيم.. ثم ترد بعبارات حانية ثم ثبات، إنه صوت المذياع يعلن عن بدء أغنية للسيدة فيروز من أين أتتك فكرة أنه يناديك بصوته مرددا اسمك؟! هههه .. تلك أجواء الشتاء يا عزيزى ذلك ما تفعله روائع ديسمبر إبتسم واشرد كما شئت فقد رجعت الشتوية.
مازال رفعت ينظر من خلف زجاج النافذة يرقب تلك الأمطار الشتوية المرحب بها طبعا، هى عادته التى لا يستغنى عنها ابدا، وهناك ضوء خافت أنيق ينبعث من حمرة الشمس قرب إختفائها ليضفى جمالا على قطيرات المطر المتلألئة بعينى رفعت،ثم سطعت رائحة المطر وكأنها بداية حياة أخرى، هنا يفتح رفعت زجاج النافذة، متعجبا كيف لشخص واحد أن يجعل الوقت يتوقف؟.. صوت يهمس بأذنيه "لو كنت معى حتى نهاية العمر".
صوت ينادى من بعيد "أين أنت يا رفعت؟..إنها حنان زوجته فى شهرها التاسع، أوشكت على وضع مولودتها الأولى بعد انتظار دام لخمس سنوات، تنتظر فى شغف رؤية تلك الصغيرة التى اتعبتها طيلة أشهر طويلة، تتخيل الكفوف الصغيرة وهى تقبلها برفق خشية أن تخدشها، ياله من حلم يراودها منذ سنوات طويلة قاسية ..
-حنان مقتربة من رفعت: أين أنت يا رفعت؟ ناديتك كثيرا.
-رفعت مضطربا: عذرا حبيبتى ! بكِ شئ؟ أتشعرين بألم؟
-حنان : لا شئ.. ولكنى انتظرتك لنتناول الشاى معا ولاحظت تأخرك ..لم أكن أعلم أن المطر ينسدل، اعتذر!
-رفعت: وهل هذا اهم منك؟
تمتمت شاردة ، لو أنك تحبنى مثل المطر
وجاء يوم عطلة نهاية الأسبوع، سيخرج الزوجان كعادتهما خارج البيت ولكن كان لحنان رأى آخر..
- ما رأيك عزيزى رفعت أن نقضى سويًا عطلة الأسبوع بالبيت؟
- كما تشائين، أيضا أخشى أن تشعرين بالإجهاد وقد اقترب موعد ولادتك
- حسنا.. نستمع إلى المذياع إنه موعد حفل السيدة فيروز، احبُ يا رفعت أن تراقصنى على انغام صوتها
- أراقصك؟! ههههه كيف وانتِ على وشك أن تلدين، ربما تلدين حين ترقصين.. ماذا أنا بفاعل حينها؟
- قالت بنظرة توسل:
- اسمع ها قد بدأت موسيقى الاغنية، اترك نفسك لأنغامها، و ضع يدك حول خصرى ويدك الأخرى على يدى هكذا وانا سأضع يدى حول عنقك هكذا، و سأذوب فى عينيك هكذا .... وانطلقت فيروز بالغناء ( يا أنا يا أنا .. انا وياك) ، لم تكن حنان بكامل وعيها كانت معه فقط ولا تريد الاكتراث لشئ أكثر من ذلك.
وبعد مرور أيام و من غرفة نوم رفعت هناك من يغط فى سبات عميق و كأنه ذهب إلى العالم الآخر، إنه العالم الأشبه بالمجون والهذيان الخاص برفعت ، يرى نفسه يرقص حد الترنح معها.. أجل معها ! إنها منى حبيبة رفعت السابقة،، رقصا معا بكل الأزقة وتمايلا كل الميل حين تغنت لهما السيدة فيروز وسقط المطر لكليهما فقط إلى أن لاحت سيارة سمراء آخذه فى طريقها بكل وحشية حبيبته منى.. هنا استفاق رفعت اخيرا من نومه على صياحه المذعور مناديا "منى" وعلى نفس الوتيرة كانت حنان زوجته تصرخ بالغرفة الأخرى بالمنزل من الآلام الوضع فسارع إليها رفعت مضطربا لأمرها، إلى أن وضعت مولودتها الصغيرة وبنفس يوم الولادة اتصل رفعت بمنى عبر الهاتف ليخبرها بقدوم مولودته فردت عليه أختها قائلة..
-غادرت منى منذ سبع سنوات يا رفعت
-كيف غادرت؟!
-لقد توفت يارفعت وانت تعلم ذلك جيدا.. لابد أن تصدق
-ولكنى أود أن أخبرها عن مجئ إبنتى
-اعلم بما تشعر به يا رفعت ولكن لم يعد هناك جدوى من ذلك، إلتفت لإبنتك ولتهتم بزوجتك فهى بحاجة إليك الآن..
وما أن أنهى رفعت المكالمة والتفت خلفه بشرود وجد حنان تربت على كتفه بيدها وهى تنظر داخل عينيه حاملة على ذراعها الأيسر طفلتها ثم مسحت بيدها اليمنى تلك الدمعة التى فاضت على خده.
قائلة : انظر لإبنتك ! كم هى جميلة .. اسميتها منى.
التعليقات