في بعض الأحيان عندما نشتري الملابس الجاهزة تكون قياساتها غير دقيقة بالنسبة لجمسنا، علي عكس الوضع عندنا نفصلها عند الخياط ففي كل مرة نقوم بتفصيلها يقوم الخياط بأخذ مقاساتنا الحالية وعلي أساسها يقطع القماش ويقوم بصنع الملابس وخياطتها لتناسبنا تماماً.
قال برنارد شو جملة حكيمة: الشخص الوحيد الذي أعرفه ويتصرف بعقلانية هو "الخياط"؛ فهو يأخذ مقاساتي من جديد في كل مرة يراني، أما البقية فيستخدمون مقاييسهم القديمة ويتوقعون مني أن أناسبها.
هكذا يفعل الناس فعلاً فيقيسون كل شيئ علي أعتبارتهم هم وليس أعتبارتنا نحن.
أندهش جداً حينما نسأل شخص ماذا بك أو لماذا أنت حزين فيعرض أسبابه فيقوم المستمع بالتقليل من حزنه لمجرد أنه يري أسبابه تافهة بالنسبة له أو أنها لا تستحق هذا القدر من الحزن.
أن أسقاط مشاعر الاخرين وقياسها علينا هو ليس فقط ظلم للشخص بل لنا نحن أيضاً.
كم من مرة كنا نشعر بضيق أول زعل وكانت ردود الأخرين علينا مكملة لما نشعر به؟
الجمل التي على شاكلة ' يوجد كثيرين مثلك أو كلنا نمر بما تمر به أو كن قوي ولا تكون هش أو ضعيف ' تجعل الشخص اكثر حزناً حيث يري بكل وضوع الأستخفاف بمشاعره.
هل تتذكرون أول يوم لكم أو لأ لادكم في المدرسة؟
وهم يبكون ولا يريدون أن يتركوكم ؟ أن هذه اللحظة وما فيها من مشاعر عند الطفل هي تماماً ما قد نشعر به في موقف قد يكون حقاً كبير بالنسبة لنا في حين يراه غيرنا عادي ولا يستدعي الحزن أو حتي البكاء.
كل شخص منا عنده مخاوفه وأحاسيسه المختلفة عن الاخرين - فمنا من يخاف من الفقد أو الوحدة أو الفقر أو المرض و منا من يخاف من أشياء لا تشكل خوفاً للأخرين كالخوف من الأماكن المرتفعة أو المغلقة أو حتي الخوف من الحقن أو البحر ….عندما نري أحد الأشخاص يفتح قلبه لنا ويخبرنا أنه يخشي الوحدة فلا نقدر مشاعره ونرد عليه الرد السخيف أن الوحدة تصيبنا جميعاً وأنك لست الوحيد الوحيد في هذه الدنيا، عندنا نقول ذلك نحن لا نعي مدي الضيق الذي يشعر به الشخص، أحساسه بتسفيه مشاعره أو خوفه كافٍ ليكون سبب أضافي ليحزن.
أنا مثلاً أخاف جداً من الحقن - يصيني الشحوب وفكرة أن يخترق ذراعي أبرة معدنية تقتلني وتصيبني برعب شديد يظهر أثرها جداً علي وجهي وملامحي الي الحد الذي يقلل من ضغطي فأصبح صفراء اللون، عندما علم أصدقائي بذلك وشاهدني بعضهم تباينت ردود أفعالهم فمنهم من طمأنني وقال لي أن كل شيء سيكون بخير وأنه الموضوع فعلاً شكة دبوس وأمسك بيدي وأنا تخترق ذراعي الأبرة الحديدية ومنهم من سخر منيّ وأندهش نظراً لما يعرفوه عن شخصيتي القوية.
الفارق كبير بين الفريق الأول والثاني - الأول قدر خوفي أنا والثاني ربطه بنفسه فسخر من خوفي وتفهه.
على بساطة المثال السابق فهو متكرر جداً في نواحي حياتنا.
وهنا أجزم وأقر أننا لسنا نسخات نمطية من بعض وأننا لا نشعر بنفس المشاعر تجاه نفس الأشياء ولا نتقبل الحزن والضعف والمرض والضيق بنفس المقياس، مشاعرنا متباينة وما قد يراه أحدنا سهل هين قد يراه شخص أخر صعب وشاق.
فلنتعامل مع بعضنا البعض كما يتعامل معنا الخياط الذي يصنع ملابسنا علي قياسنا نحن ولا يستخدم مقاييسه القديمة ويتوقع أن تناسبنا.
ولنعلم جميعاً أن الأحساس بالأخر يأتي بقدر حبنا له وليس بقدر ما قد نشعر نحن لو كنا مكانه.
ويظل أسخف ما قيل في مواساة أحد: كلنا تعبانين مش أنت لوحدك.
التعليقات