لم تعد قارة إفريقيا تتحمل نزاعات جديدة بين دول القارة وبعضها، كما لم تعد تتحمل أيضاً نبش الماضي، والخلاف والاختلاف عليه، خاصة إذا كان الأمر ليس بالضرورة الحتمية العاجلة، أو انتظار الاستفادة العظمى لأي طرف في حالة كسب القضية، لأن القارة السمراء تعاني منذ عقود من تنفيذ مخططات الصراعات التي تقوم على أساس عرقي تاره ، وديني تارة أخرى، وغيرها من أساليب بث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد.
وجاء تصاعد وتوتر العلاقات مؤخراً بين الجزائر والمغرب، وإعلان وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة قطع العلاقات مع المغرب، ليعود بالقارة كلها وليس الدولتين فقط للوراء، لأن دول القارة في حاجة ملحة للتعاون ، والتكاتف والتكامل الاقتصادي كون إفريقيا سوق واعدة للكثير من الصناعات والمنتجات والموارد، بدلاً من نهب الغرب لخيراتها، ومواردها بينما يقف أبناء القارة عاجزين عن تحقيق أحلامهم على أراضيهم.
وكانت دهشتي هي إتخاذ هذه الخطوة من قبل رمضان لعمامرة، وكنت قد كتبت هنا منذ أسابيع قليلة عن خبرة وحنكة لعمامرة، كونه السياسي الجزائري المخضرم، والذي يستطيع لم الشمل داخلياً ، وخارجياً، وتفادي الوصول إلى هذه النقطة مع المغرب، بل التوقع بلعبه دوراً بارزاً في أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا كما صرح مؤخراً، الأمر الذي حمل التفاؤل بعودة الجزائر للساحة الدولية من باب سد النهضة.
وبعيداً عن تحديد الطرف الأول الذي بدأ تأليب التوتر بين البلدين، سواء بإعلان الجزائر دعم جبهة البوليساريو التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، أو مقابلة ذلك بإعلان المغرب لأحقية منطقة القبائل بالجزائر في تقرير مصيرهم، واتهامات متبادلة بسعى كل طرف لتنفيذ مخططات تخريبية وتهديدية ضد الآخر، نستطيع القول أن قطع العلاقات لم يكن مستحباً على الإطلاق.
وتأتي التصريحات المغربية على الأقل رافضة للقرار، وهو في حد ذاته يبدو جيداً ، ويكفي أن الرد على القرار لم يكن بالندية، بل أكدت المغرب على العلاقات الوطيدة التي يجب أن تكون، وأن العلاقة بين الشعبين المغربي والجزائري لا علاقة لها بمثل هذه القرارات، إلى جانب بعض التصريحات اللينة لتخفيف حدة الموقف.
وما يحدث يجعلنا نفقد الأمل في رؤية إفريقية موحدة تجاه متطلبات المرحلة، إذا كانت العلاقات بين الدول المتجاورة بهذا الشكل، وتحولت الفرقة والفتنة إلى طريق تأليب الصراعات الداخلية الراكدة ولو بشكل مؤقت ولا حاجة لاستدعائها، وتدخل الدول في شئون بعضها البعض، وهو الأمر الذي يخلق حالة من الاحتقان لا حاجة لها، ولا فائدة من ورائها، سوى تضييع الوقت والجهد، والتقليل من هيبة الكيانات الإفريقية بشكل عام.
وأدانت الجامعة العربية قرار الجزائر بقطع العلاقات، ولا أعتقد أن دور السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية يقف عند هذا الحد، فمن المؤكد أنه يسعى لإحداث التوافق، ودعوة الطرفين للجلوس على مائدة واحدة لنبذ الخلاف، أو على الأقل تنحيته جانباً خلال هذه الفترة التي ربما تشهد ميلاد تيارات دينية قد تأكل الأخضر واليابس معا، لأن الكل خاسر في حال استمرار هذا الوضع أو تصاعده.
وسيبقى حلمي بوجود قارة إفريقية موحدة، وستبقى رؤيتي في حتمية ذلك هو الأمل الذي لن أتخلى عنه، مهما وُضعت العثرات في الطريق، لأني على يقين بأن القارة السمراء هي مفتاح العالم، وخيراته وثرواته إذا أحسن استخدامها، واستغلالها،وحسن إدارتها، بدلاً من النبش في الماضي، والسعى نحو مناطق الخلاف، وترك المصلحة العامة للجميع حبيسة الخلافات الإفريقية التي يجب أن تنتهى في ظل ما نعيشه من تطورات ومتطلبات من أجل البقاء.
التعليقات