كثيرون غير مصدقين حكاية الخروج الأمريكي السلس من أفغانستان وتمكن قوات طالبان من السيطرة على كل الولايات الأفغانية بهذه السرعة دون أي مقاومة من القوات الحكومية، ثم انسحاب القوات الغربية، التي أدركت فجأة خطأ الاحتلال،واستحالة التغيير الثقافي بالقوة.
والكثيرون أيضا لا يفهمون تلك المفارقة العجيبة التي تتمثل في رفض رئيس الحكومة الأفغانية الاستماع لنصيحة بايدن المخلصة بأن يتصالح مع طالبان وكأن لسان حال العم سام يقول:(انتم أخوة والعبوا مع بعض) ..الحكاية فيها إن وكأن ولكن وبقية أدوات النصب!.
في المدرسة نتعلم أولا ثم ندخل الاختبار، ولكن في الحياة ندخل الاختبار أولا ثم نتعلم، وفي سيناريو عودة طالبان إلى حكم افغانستان دروس عديدة، أولها انكشاف الخدعة الكبرى التي تتكرر في كل احتلال او تدخل غربي في بلدان الشرق، حيث يحدث ذلك تحت شعارات براقة على مدار التاريخ أولها الاستعمار كغطاء للاحتلال، اى تعمير بلدان الشرق، ثم شعار نشر الديمقراطية (العراق نموذجا) ثم حماية حقوق الإنسان (النماذج عديدة) ثم مواجهة الإرهاب وهو ما حدث في النموذج الافغاني حيث ظلت القوات الامريكية هناك 20 عاما لمواجهة إرهاب حركة طالبان وفي النهاية اتفقت معها على الانسحاب على أن تتولى هذه الحركة، حكم البلاد والعباد!
وهكذا اختفى خلال ساعات الجيش الأفغاني الذي قوامه 300 الف جندي مجهز بأحدث المعدات العسكرية وتكلف تجهيزه تريليون دولار، أمام جيش طالبان الذي قوامه 75 ألف وسلاحه الرئيسي الرشاشات! القصة نفسها حدثت خلال العزو الأمريكي للعراق من قبل وشاهدنا ماذا حدث بعد تفتيت الجيش العراقي!
لو عدنا الى الوراء سنجد أن الولايات المتحدة هي حاضنة طالبان أيام الاحتلال السوفياتي لأفغانستان تحت شعار (الجهاد)، ولكن انقلبت عليها في اليوم التالي لخروج السوفييت، كماغزت أفغانستان للتخلص منها تحت شعار الإهاب، وأخيرا اتفقت معها على كل شيء!.
الدرس الثاني: ليس كل انسحاب هزيمة،فالولايات المتحدة لم تنهزم فى أفغانستان،لأن لديها كل البيانات عن طالبان وكانت تستطيع تصفية كل قياداتها وعدتها ولكنها خططت لبقاء بؤر ساخنة هناك، لأكثر من غرض:
أولا: بقاء الفزاعة (الإسلاموية) لتخويف بعض بلدان الشرق الأوسط ومن ثم شراء السلاح او القيام بالتسهيلات المطلوبة، وثانيا: تصدير المشكلات لجيرانها من أعداء الولايات المتحدة.
وهو ألمح اليه خطاب بايدن الذي دافع فيه عن قراره بالانسحاب، حيث كشف المستور قائلا أن مهمة القوات الأمريكية في أفغانستان "لم تكن يوماً بناء دولة".
وأوضح أن "منافستينا الاستراتيجيتين الحقيقيتين، الصين وروسيا، كانتا ترغبان بأن تستمر الولايات المتحدة إلى ما لا نهاية في تكريس مليارات الدولارات من الموارد وفي الاهتمام بتحقيق الاستقرار في أفغانستان".
من هنا يتبين ان هذا الانسحاب جزء من خطة لمواجهة المنافسين الاستراتيجيين وبخاصة الصين القريبة من افغانستان والتي لديها مشكلة مع المسلمين في الإيجور.
وقد أشار خبراء سياسيون إلى سيناريو ما بعد الانسحاب العسكري الأميركي، حيث يتم غض البصر عما سوف يجري هناك، في حين تبقى الإرادة الأميركية الحقيقية موصولة بتوريط روسيا مع طالبان عبر إحياء ضغائن الماضي، والوقيعة بين موسكو وبكين على أرض أفغانستان، انطلاقاً من تعزيز مخاوف الروس من السيطرة الصينية هناك.
فلدى الصين استثمارات في أفغانستان تسعى للحفاظ عليها كما تستعد لإدخالكابولفي مشروع «الحزام والطريق» أو الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي رصدت له الصين 62 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه تسعى الصين لضمان سلامة الأفراد والمؤسسات الصينية هناك ولكن لديها مخاوف أيضا من تواجد إرهابيين بالقرب من حدودها المشتركة مع أفغانستان، وهي مرتفعات شاهقة لا تتخللها أي معابر حدودية. وتتخوف من استخدام الانفصاليين الأويجور أفغانستان كنقطة انطلاق لشن هجمات على الأراضي الصينية.
الدرس الثالث أن الارض كما تعلب مع فريقها في كرة القدم، تحارب مع أصحابها في القتال، فقد علمنا التاريخ أن أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات، من زمن الرومان الذين غزوها عام 339 قبل الميلاد ى، مروراً بالغزو البريطاني، ثم السوفييتي، وصولاً إلى الأميركي، وفي جميعها كانت النتيجة واحدة، انسحاب القوى الغازية.
أما الدرس الأهم فيتعلق بطالبان التي خرج افردها من المدرسة منذ اكثر من 20 عام قبل الاختبار، فهل تعلمت الدرس خارج أسوار المدرسة؟ أم سوف تظل تؤدي نفس الدور الذي قامت به من قبل ثم تبعتها بوكو حرام وداعش لتشوية صورة الإسلام بأيدي المسلمين أنفسهم! وأخيرا فإن فائدة الدروس تكمن في مدى انتشارها، بحيث لا يستفيد منها طالب واحد فقط وإنما (طالبان) فأكثر!
التعليقات