تبقى صورة سيطرة حركة طالبان على القصر الرئاسي في أفغانستان مُرعبة، ومُثيرة للكثير من المخاوف، والخوف الذي ينتابني لايقف عند حدود بعض الدول، لكنه يمتد إلى الكثير من البلدان، واستدعاء ذهني لمشاهد وأحداث ما سُمي بـ"الربيع العربي" حاضرة في المشهد، فربما نعيش بداية جديدة لمخطط جديد بغلاف مختلف لكنه يحمل نفس الهدف والمضمون.
وبالتأكيد، لست مقتنعة بالتصريحات التي خرجت من الإدارة الأمريكية، أو القائمين على سياستها الخارجية بشأن فشل الإدارة الأمريكية في أفغانستان، وأنها لم تكن تتوقع وصول الأمر لهذا الحد، أو بهذه السرعة، لأن سيطرة طالبان نتيجة طبيعية لملئ الفراغ، سواء لتحقيق هدفها، أو لتجنب سيطرة أي قوى أخرى داخلية أو خارجية على أفغانستان.
والأهداف والسياسات الخبيثة أصبحت ظاهرة وواضحة، والمشهد لم يعد بحاجة إلى متخصصين أفذاذ لقراءته، وبالتالي تريد أمريكا إنشاء "الجار الملتهب" للصين، في ظل صراع القوى العالمية الدائر الآن، خاصة بعد أزمة فيروس كورونا، وتبادل الاتهامات، ومن ثم تسعى أمريكا لإرباك الصين التي تربطها بأفغانستان عشرات الكيلو مترات الحدودية، كذلك الموقف الداعم من قبل الديمقراطيين التي ينتمي إليهم جو بايدن للتيارات الدينية.
وبعيداً عن صراعات دولية كثيرة، وتوقعات بتغيير سياسات خارجية للعديد من الدول تجاه التيارات الدينية بعد سيطرة طالبان، يبقى الموقف القطري الواضح والداعم لما حدث، وحديث وكالات الإعلام العالمية عن عودة الملا عبدالغني برادر، نائب زعيم حركة طالبان ورئيس مكتبها السياسي، إلى أفغانستان وتحديداً في قندهار بعد إقامته لسنوات في قطر .
كذلك إجتماع وفد من طالبان بقيادة برادر مع وزير الخارجية القطري خلال الساعات الماضية لاستعراض الموقف، والوقوف على آخر المستجدات يعطي دلالة واضحة تجاه السعي إلى تنفيذ المخطط الجديد، لإرباك المشهد ليس في آسيا فقط، ولكن في إفريقيا أيضاً، وربما تكون دفعة معنوية للتيارات الدينية التي تستعد الآن للسيطرة على دول إفريقية عانت من مخططات الفوضى والانقسام.
وبرؤية المشهد كمواطنة مصرية، أستطيع القول بأن ثورة 30يونيو في مصر كانت ضرورة حتمية لتجنب تكرار هذا المشهد المخيف، ونظرتي لبناتي، والأطفال الصغار، وشباب مصر، وتخيل المصير الذي كان مخططاً لدخول مصر فيه يجعلني أكثر إيماناً بهذه الثورة المجيدة، وكذلك كل مواطن مصري حتى وإن كان يعاني الكثير من عدم توفير متطلبات حياته، أو ضيق العيش، لكنه ينعم بالأمن والاستقرار، والتخلص من التسلط الديني.
وتبقى القوة العسكرية لأي دولة حصن الأمن والأمان لها، ويبقى الجيش المصري العظيم سنداً للمصريين وإحترام إرادتهم في يناير 2011، وموقف المشير محمد حسين طنطاوي في الإلتزام بتسليم السلطة في موعدها، ثم تتصدر جماعة الإخوان المشهد بقيادة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ثم نجد الفريق عبد الفتاح السيسي يلبي نداء المصريين، وشعوره بما يعيشونه، ورؤيته للنفق المظلم الذي تسير فيه مصر، ليقود الثورة العظيمة بدعم الملايين في الميادين، وصولاً إلى رئاسة الدولة.
وما حدث مؤخراً، وما نتوقع حدوثه، يؤكد أن النظام السياسي لأي دولة، أو ترك الحبل على الغارب للتيارات الدينية المتشددة، والمتاجرة باسم الإسلام يبقي مرهوناً بموقف وعقيدة القوة العسكرية للدولة، ومدى تعبيرها عن إرادة شعبها، لأنه في حالة وجود هذه القوة المعبرة عن إرادة الشعب لن يكون هناك ما نسميهم بـ"خفافيش الظلام"، وغيرهم من الظلاميين.
وسيبقى التاريخ شاهداً على عظمة الجيش المصري ،وقياداته، والشعب المصري ونبله تجاه هذا الجيش الذي لا يعرف الإنقسامات والطائفية، ولايؤمن سوى بالوطن وحمايته والحفاظ على أرضه واستقلاله وحماية مصالحه، بمساعدة رجال مصر المخلصين في العديد من المؤسسات، لتظل صورة حركة طالبان في القصر الرئاسي تذكرة لنا بالدعاء إلى الله بأن يحفظ مصر وشعبها وجيشها العظيم من كل سوء.
التعليقات