حملت أحداث الحرائق في الشقيقة خلال اليومين الماضيين، الأوجاع لدى أبناء الوطن العربي، والشعب المصري بصفة خاصة، لتعلن مصر وقوفها التام إلى جانب الجزائر في محنتها التي نتُج عنها مصرع وإصابة العشرات من المدنيين والعسكريين، وهو الدعم الواجب بين الأشقاء الأفارقة وبعضهم البعض خلال الأزمات.
ورأينا مؤخراً إعلان الجزائر بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية رمضان لعمامرة، الذي زار القاهرة منذ أيام بشأن تبنيها مبادرة جديدة، أو وساطة جديدة تجاه حل أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر، وهو إعلان ربما لم يكن متوقعاً في ظل تصاعد حالة التوتر، أو ضعف الدور الجزائري في الأزمة على مدار سنوات.
وخرجت التصريحات الجزائرية لتعلن عن عدم ترك هذا الملف الشائك إلا بالوصول إلى نقاط توافقية بين الطرفين، وإمكانية دعوة القيادات السياسية للدول الثلاث إلى جلسة حوار لتوضيح المفاهيم، وضبط الأداء بحسب ما قرأناه عبر وسائل الإعلام، وفي النهاية هي مبادرة محمودة، وجهد مشكور من الجزائر وقياداتها.
ومن المؤكد أن الدور الجزائري جاء نتيجة تخوفات بتصاعد الأحداث في إفريقيا، خاصة في دول الجوار مثل ليبيا وتونس، ومن ثم محاولة تجنب الصراع الدائر الذي وصل إلى التلويح بالحرب بين الأطراف وبعضها، إلا أن الأهم في المشهد هو وجود وزير الخارجية رمضان لعمامرة في المشهد.
ورمضان لعمامرة دبلوماسي مخضرم، ولديه خبرة طويلة في مجال إدارة الأزمات، وتاريخ دبلوماسي كبير، ودراية جيدة بإدارة الصراعات، بل شارك فعلياً أثناء توليه وزارة الخارجية الجزائرية من قبل في الوصول إلى حالة توافق بين الأطراف في مالي وليبريا، والخلافات العراقية الإيرانية، ودوره البارز في هذا المجال عبر مناصب مرموقة تولاها داخل الاتحاد الإفريقي، وممثلاً للأمم المتحدة في بعض دول الصراعات داخل القارة.
و"لعمامرة" ترك منصبه عقب تنحي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم، ثم عاد مؤخراً لنفس المنصب مع الرئيس الحالي، ومن ثم يريد وتريد الجزائر الظهور على الساحة السياسية الدولية من جديد عبر ملف سد النهضة، مستخدمة خبرة رجل مخضرم بحجم لعمامرة، وإذا كانت رؤية الجزائر تعتمد على قوة علاقتها بالأطراف، فالبتأكيد تعرف وتدرك الجزائر قيمتها وقدرها لدى الشعب المصري كافة، قبل أي شئ آخر.
ومصر والجزائر بمثابة التاريخ المشترك، فكانت الأحداث والثورات ومواجهة الاستعمار قضايا ظهرت فيها التأثير والتأثر بينهما، لكن للأسف تم افتعال بعض الأزمات وتصدير حالة احتقان منذ سنوات بسبب مباريات كرة القدم، وهو الأمر الذي كان جزءاً من مخططات التفتيت والانقسام داخل القارة السمراء، إلا أن عادت الأمور إلى نصابها بعد كشف وفضح المخططات.
وبعيداً عما تم طرحه بأن الدور الجزائري في قضية سد النهضة ربما يكون نتيجة بعض الإملاءات الخارجية، ونفي الجزائر لهذا الأمر، نستطيع القول أن إرادة الجزائر وسياستها الخارجية الحالية، ووجود رجل بحجم لعمامرة يمكن أن تكون جزءاً رئيسياً في حلحلة الأزمة، والوصول إلى عدة نقاط توافقية يمكن البناء عليها إن لم تكن الحلول جذرية نهائية.
وتبقى قضية سد النهضة مرهونة بدخول أطراف محايدة، وإرادة خالصة لمن يقوم بالوساطة، كما تبقى العلاقات المصرية الجزائرية شامخة وراسخة عبر التاريخ، ويتمنى كل مصري رؤية الجزائر في مكانة مرموقة، وتجاوز الصعوبات، لأن استقرار أي دولة إفريقية جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة الذي نريده ونحلم بوجوده في كل شبر داخل القارة التي نعتز بها بها وبالانتماء إليها.
التعليقات