طفل رضيع أخذته أمه يوماً إلى عيادة أحد الأطباء، وهناك حقنه الطبيب بحقنة (مثير طبيعي) آلمته، وكان الطبيب حينها يرتدي روباً أبيض (مثير محايد).
وفي يوم أخر أخذته أمه إلى صيدلية لشراء الدواء الذي وصفه له الطبيب، بمجرد رؤيته للصيدلي الذي يرتدي روباً أبيض بدأ الطفل بالصراخ، فالروب الأبيض استجر استجابة البكاء.
تلك بإختصار هى نظرية الاستجابة الشرطية أو التعلم الشرطي وهى نظرية في التعلم الترابطي وضعها الطبيب الروسي إيفان بافلوف، وتعنى رد الفعل التكيفى للكائن تجاه منبه خاص ويكتسب هذا التكيف من وضع الكائن مكررا في الموقف نفسه.
لسنا هنا بصدد مناقشة تلك النظرية ولكن لوضعها موضعها الصحيح والذى لا يفعله أغلبنا فنجد أنفسنا أومن حولنا يتحدث بمنتهى الحكمة عن الأخرين ويحكم على أختياراتهم ومواقفهم.
إن الأخوات يختلفون فى ردود أفعالهم لنفس المواقف مع أنهم ظاهريا ينشئون نفس التنشئة الإجتماعية ولكنا نغفل مواقف وتفاصيل دقيقة تحت نفس السقف، تجعل كل إنسان كما له بصمة منفردا بها له شخصية متفردا بها نرى بها الإختلاف ونلمس أنه رحمة فى النهاية.
أغفلنا عمدا تجارب الإنسان وما تعرض له من مثيرات ليست واحدة فى الأغلب شكلت لديه مخاوف وهواجس تحركه فى أغلب الأحيان ليتخذ مواقف نندهش لها بل وتفزعنا أحيانا ولنجعل أكبر مثال عاصرته وسط العديد من التعليقات حول مسلسل لعبة نيوتن _والذى عرض فى شهر رمضان _ وتحديدا شخصية البطلة (هَنا ) والتى تعرضت للجلد والعقاب وعدم الرأفة من مشاهدى المسلسل نساء ورجال على حد سواء بغض النظر عن ذكورية المجتمع فى التناول.
إذا رجعنا بالذاكرة إلى المسلسل وأولى حلقاته التى تحيك لنا القماشة التى نسجت منها الشخصيات بكافة الجوانب الخفية التى مرت بحياتهم فكانت الشبح المرعب الذى يلاصقهم وكأنه قرينهم لوجدنا مبرراً لردود أفعال البطلة بكل مواقفها.
الكل وضع نفسه موضع بطلة المسلسل (هَنا) ولكنهم وضعوا أنفسهم بشخصياتهم المختلفة التى تحمل حياة مختلفة ويمكن بها الكثير من الثقة بالنفس والدعم الأسرى وهو ما كانت تفتقده (هَنا) وبالتالى كانت ردود أفعالهم لنفس المواقف التى تعرضت لها مختلفا جذريا ولم يكونوا أغبياء كما تم وصفها فى أغلب التعليقات على السوشيال ميديا وهذا ظلم َبين فى الحكم على الأخرين.
هذا المثال واحدا من بين العديد من الأمثلة قد نسردها معا ولكن الهدف يكمن فى الإجابة على سؤال هام ، هل كلنا كأشخاص لنا نفس الإستجابات حتى إذا عيشنا نفس التجربة ؟ الإجابة (لا) ليس لنا نفس الإستجابة لنفس المواقف ونظرية بافلوف لا تنطبق علينا هنا كأشخاص لأنك لست أنا مهما كان الموقف متكرر أو يحمل نفس التفاصيل فى النهاية حياتنا ليست نسخا من بعضنا .
حينما يتشدق أحدنا بأنه إذا وضعته الظروف فى نفس موقف صديقه أنه سيفعل كذا وكذا وأنه رد فعل طبيعى ومنطقى لا تكذبه لآنه بالفعل قد يفعل مايقول تماما وهذا لأنه شخصية تختلف عن صديقه ، وأن صديقه إذا سلك مسلكا غير متوافق عليه من الأخرين فهذا حقيقي فنحن لسن روبوتات تتحرك بمعطيات واحدة نحن بشر ببصمات مختلفة .
أنت لست أنا فلا تحكم على أفعالى بشخصيتك التى تختلف فى الأغلب عنى ، قد تسدينى النصيحة وقد أقبلها ولكن لا تمسك بعصا الحكمة وتحتل القمة لتتعالى على من حولك.
التعليقات