حينما يتحد عليك العالم بأسره دون رحمة ستدرك معنى الانكسار، ستعلم جيدا كيف تكون وحدك تجاهد دون أن تملك أسلحة المقاومة، كجندى فقد سلاحه بالجبهة حين تآمر عليه أعداء الوطن، انت وحدك مع اليأس وقلة الحيلة، بينما هناك من ساهم فى سقوطك يسخر من بعيد متحمسا يرقب تداعيك بالوحل.
إنها الواحدة بعد منتصف الليل تسقط أمينة مغشيا عليها بغرفتها والهاتف لايزال فى قبضة يدها لتدخل أفراد أسرتها بعد سماعهم لصوت ارتطام جسدها بالأرض، وسط ذهول الأب وانهيار بقية الأبناء تصرخ الأم صائحة "ابنتى أمينة".
كانت أمينة مخطوبة لشاب من بلدتها وقد تم عقد القران ولم يحدد بعد موعد الزفاف، ترى ماذا حدث فى تلك الليلة، إنه النصيب كما يقال، تلك المكالمة المشؤمة التى قلبت كل موازين الحياة وجاءت بلا موعد أو دون سابق إنذار، حين أخبرها خطيبها أو بمعنى أدق زوجها الذى عقد قرانه عليها منذ أكثر من عام أنه يريد الانفصال عنها وسيطلقها بأقرب وقت ممكن، أصبح عاجزاً على حد قوله، لم يعد قادراً على تحمل نفقات الزواج وسيهرب من تلك الضغوطات لخارج البلاد ربما تتغير ظروفه ويكون أكثر حظا هناك، سيذهب بعيداً تاركاً لها إرثاً من اللعنات ضارباً بالأحاديث والأقاويل عرض الحائط أراه الهارب المتخاذل ليس إلاّ، ولا أحب الحديث عنه أكثر من ذلك.
هنا تبدأ رحلتها مع التعاسة، أو العِراك مع الحياة ستظل دوما فى محاولات مستميتة لإثبات ما لا يمكن إثباته، أخذت لقب مطلقة وكأنها حصلت على جائزة نوبل كأفضل إمرأة موضع للشكوك والظنون، لن تعود الحياة كما كانت أبدا، لن تستطيع أن تحيا بشكل طبيعى كالسابق فالجميع فى سباق للنيل منها، الكل تسيطر عليه فكرة واحدة.. يمكننا القول أن أول المتآمرين كان والدها واخيها الأكبر إذ ظلا بإلقاء اللوم عليها والشك بأمرها طيلة الوقت.
يلاحظاها غالبا باكية، لماذا تبكين يا أمينة بكل هذه الحرقة؟ لم تفرغ أذهان من حولها من الارتياب وكانت أول الصدمات حين طالب والدها أن يذهب بها للطبيبة لتوقيع ذلك الكشف المؤسف المهين للغاية، لماذا يا أبى؟ ألم يكفيك ما أشعر به من انكسار وخيبة أمل؟ تأكدت الآن أنى مازلت عذراء، لكنك لم تلتفت لشعورى الحزين للغاية، كيف سأنهض من جديد إن لم تكن معى لا علىّ؟.
أن تشتاق لنفس لا تشتاقك ذلك اقسى شعور على الاطلاق لذلك لا شئ يستحق الحنين، انتزعت مرارة الفقد من داخلها فهى لن تلتفت إلى الماضى مطلقاً، وعلى الرغم من حماقة البعض كزميلها بالعمل ومحاولاته الدائمة للتقرب منها بشكل غير لائق، وهذا الآخر "آخر الرجال المحترمين" كما يظن هو أو كما يراه البعض، "ابن خالها" إذ يراها بقايا فتاة ترغب وترضى ببقايا أو نصف رجل كما يعتقد، أشفق على أفكاره بل أشفق على عقله الذى يعطيه مثل تلك الأفكار، عرض عليها الارتباط سراً حتى لا تعلم زوجته الأولى وحرصا على استقرار حياته معها ومع أولاده، حقا مثل هذه الأفكار تثير اشمئزازى.
واليوم يدخل والد أمينة عليها بغرفتها ليلا وسط اندماجها بالكتب الجامعية قائلا: غاليتى أمينة اعتذر منك عما صدر منى لقد اجتازنا فترة عصيبة لم أكن أتخيل أن نمر بها.
أمينة: لا عليك يا أبى، أدركت المعنى الزائف للدنيا والوجوه المتلونة والاقنعة الكاذبة، سأطوى تلك الصفحة البائسة من حياتى ولن انظر للخلف الموحش، فعبقرية الحاضر فقط سأتبعها وانا أردد فى داخلى "انا ست البنات".
التعليقات