فى هذا الزمن القلق المضطرب المتغير باستمرار يجب أن نتطور ونتغير .. بل ونسارع بالتغيير قبل أن تمر قاطرة التغيير والتطور وتدهسنا بعجلاتها القوية .. وفى ظل هذه التغيرات ظهرت وسائل و وسائط غير القديمة المتعارف عليها .. وسائل نقل المعلومة والخبر ..
أذكر قبيل انتشار القنوات الفضائية ولم يكن هناك غير الراديو والقناة الأولى والثانية فى التلفزيون .. كنت أشاهد من يحمل معه الراديو لمتابعة أخبار العالم من حوله وفى نهاية اليوم ينتظر نشرة التاسعة مساء ليتعرف على كل ما هو جديد فى مصر والعالم وفى الصباح نسارع إلى باعة الصحف لشراء الصحيفة المفضلة لمعرفة ماذا حدث فى اليوم الماضى .. بل وفى الليلة المنصرمة وكأن الصحيفة هبطت بالأخبار من السماء .. والمتأمل لتلك الحالة يجد أن الخبر ليس بالجديد مقارنة بخبر اليوم .. والمتأمل أيضًا يجد أن الخبر والمقال والتحقيق ..
قد مر بعدة عمليات قبل أن يصل فى النهاية إلى القارئ .. والمتأمل يستشعر وجود الكثير من الأهداف والأفكار بداخل الموضوعات والأخبار المذاعة أو المرئية أو المقروءة .. كل هذا مقارنة باليوم وبث الخبر لحظة حدوثه فى أى مكان فى العالم ليصل إلى كافة سكان الأرض عبر لمسة اصبع على هاتفهم المحمول. هذه متغيرات يجب أن توضع فى الاعتبار وأمام نظر أى مسؤول أو قائم على وسيلة تواصل مع الجمهور.
وقديما .. ليس فى عمق التاريخ وإنما منذ عدة سنوات .. كانت وسائل الإعلام (إذاعة . تلفزيون . صحافة ) هى الوسائل المتاحة لتوصيل كافة المعلومات من مناطق صناعة القرار إلى المتلقى .. وكان من بين هذه الوسائل قنوات رسمية معتمدة (البرنامج العام فى الإذاعة، القناة الأولى فى التلفزيون، الأهرام والأخبار والجمهورية فى الصحافة) وبالطبع بعض المحطات والقنوات والصحف المتفرعة عن الأصول السابقة، وكانت توجد قنوات اتصال بين هذه الوسائل وبين مناطق صناعة القرار .. ومن خلال بث هذه الموضوعات وكونها حصرية على هذه القنوات (المعتمدة رسميا) كانت تكتسب مصداقيتها ومن ثم جماهيريتها وبالتالى ارتفاع نسبة الاستماع والمشاهدة والقراءة .. فتأتى الإعلانات ويرتفع التمويل ليعوض المصروفات.
تطورت الوسائل وظهرت نوافذ التواصل الاجتماعى التى جعلت المواطن شريك إيجابى بعد أن كان مجرد متلقى .. اليوم ظهر مصطلح "المواطن الصحفى" المواطن المتفاعل صاحب الرأى وهذه الوسائل الاجتماعية سهلت من وصول المعلومة إلى المتلقى لحظة حدوثها وأيضا فى المقابل فتحت له الباب كى يُصددر هو المعلومة التى يمتلكها فى أى وقت .. حتى وصل الأمر ببعضهم، بحثا عن شهرة أو رغبة فى إثارة وبلبلة، أن يبث أخبار مغلوطة ويروج الشائعات بقصد أو بدون قصد. الأمر الذى جعل الجهات المسؤولة تبحث عن وسائل تسارع فى بث الأخبار لتمنع الشائعات ..
وأيضا وسائل لتبث عليها صحيح المعلومات للرد على أى شائعة بدأت فى الانتشار، وأسهل وأسرع هذه الوسائل هى المنصات الاجتماعية (فيس بوك . تويتر . انستجرام ) وهذا ما جعل الجهات صانعة القرار تدشن لنفسها ، كل على حدة، صفحة خاصة بها تبث من خلالها كل أخبارها وكل ما يتصل بعملها من معلومات تهم الجماهير ..
وهنا تحدث الأزمة بالنسبة للوسائل الكبرى .. الوسائل الشعبية الأولى ( الإذاعة . التلفزيون . الصحافة) فبعد أن كانت تنفرد بنشر أخبار ومعلومات صناع القرار أصبحت تتلقف هذه الأخبار عبر وسائل التواصل مثلها فى ذلك مثل أى مواطن ينام على سريره أو فى المواصلات ويتابع كل شئ لحظة بلحظة .
وهنا أيضا تهرول الإعلانات تاركة الوسائل الأولى لتبحث عن الوسائل الحديثة وتصب فى جيبها (إلى خارج البلاد) وأعتقد أنه على هذه الوسائل استحداث مادة إعلامية جاذبة للجماهير مع التمسك بما تنفرد به كل وسيلة (الدراما . التراث . أعلام التنمية والإنتماء والأمن القومى) من مواد غير مربحة فى الأصل ولكنها كانت وما تزال جاذبة.
ويقع على عاتق الدولة تمويل مثل هذه المواد غير المربحة لكنها ضرورية للحفاظ على الهوية وعلى الأمن القومى بث الخبر والمعلومة من الهيئة الحكومية عبر وسيلة حكومية هو واجب قومى وتفاعل وتداخل مطلوب .. وسائل الإعلام القومية ليست وسائل ربحية خاصة ولن تستطيع العمل بمنأى عن الجهات الرسمية صانعة القرار، وهذه الهيئات صانعة القرار لا يجب أن تسارع خلف الوسائل المستحدثة تاركة الوسائل التقليدية.
لا ألوم الجهات المسؤولة على استعمال الوسائل المتطورة للتواصل مع الجماهير كما هو متاح فى نهاية المقال .. لكن أشير فقط إلى ضرورة التوازن بين مواكبة الجديد والتعامل مع القديم .. لأنه بالقديم والجديد تتوازن الأمور وإن طغت إحداهما على الأخرى اختل الأمر وكانت النتائج غير مرضية، وكيفية التوازن أو التوافق بين الوسائل التقليدية والمستحدثة أمر يعرفه أهل كل مجال.
فى النهاية نهدف إلى أن يحدث هذا التوازن كى لا تجد الجماهير نفسها حائرة بين وسائل تقليدية لم تعد تجد المصدر المتفاعل وبين وسائل مستحدثة هى أرض خصبة للشائعات والإثارة.
التعليقات