سوف أخصص هذا المقال لمجموعة من الفنانين الذين رحلوا عن عالمنا .. أتذكرهم وأذكركم بهم أصدقائى وسط هذا الكم من الابتذال الحاصل على الساحة الفنية وخاصة ساحة الكوميديا.
وهذه المجموعة من " نجوم الكوميديا " محور المقال تعاملتُ معهم فى البداية حينما كنتُ مخرجًا منفذا فى الحلقات الدرامية الأسبوعية " مين ولا مين"والمسلسلات الرمضانية، ثم زادت الرابطة بينى وبينهم خلال مرحلة تأليفى لكثير من هذه الحلقات الدرامية وغيرها من المسلسلات التى قمت بإخراجها وكتابتة بعضها.
هم مدارس فنية متنوعة .. احترفوا الكوميديا .. لأصواتهم بصمة واضحة تعلم صاحبها بمجرد أن تسمعه .. فلن تسأل من هذا ؟ البصمة واضحة .. أداء جميل .. روح تحمل الكثير والكثير مما يستحق التقدير والإشادة. ولنبدأ الأن ..
الفنان الكبير حسن مصطفى ..
حضرة الناظر أو رمضان السكرى .. صاحب العديد من الأدوار والعلامات المهمة فى تاريخ السينما والدراما المصرية . تاريخ طويل لن نتحدث عنه الأن لكن أهم ما كان يستوقفنى مع هذا الفنان الكبير غير إمكانياته الفنية وحضوره .. تواضعه وروحه .. إنه يشعرك باستمرار أنكم أصدقاء .. وليس من أجل عمل مشترك وتنتهى العلاقة .. لم يكن من هذا النوع على الإطلاق .. ففى كل مناسبة كنتُ أجده يرحمه الله يتصل بى تليفونيا .. يسألنى عن صحتى وأحوالى .. يسألنى عن أولادى ويتمنى لهم مستقبل مشرق .. ثم ينهى حديثه : خلينا على اتصال يا رضا . وأنهى أنا : حاضر يا عم حسن . ثم تأتى المناسبة التالية ويتصل هو أيضا ..
على مستوى العمل .. كان دائم الحضور مبكرا .. يذاكر النص جيدًا .. مطيع لأقصى درجة .. يتفق معى على أهمية البروفات قبل التسجيل لأنها من أهم مراحل العملية الفنية. ابتسامته لم تكن تفارقه حتى فى أصعب المواقف .. وكثيرة هى المواقف الصعبة التى كنا نمر بها أثناء التسجيلات .. لكنه من خلال هذه الابتسامة كان يجعلنا نتخطى هذه الأزمات. وفاته المنية يوم 19 مايو 2015 ، رحمك الله يا عم حسن.
الفنان الكبير عبدالله فرغلى..
هذا الرجل الصامت الهادئ الذى يتأمل كل شئ حوله فى هدوء .. يُمسك بالنص يتأمله لحظات ثم يلقيه أمامه كى يشعل سيجارته .. يطلق دخانها بينما يتأمل المكان والحضور .. أتابعه لحظات ثم أسأله : عاوز حاجة يا أستاذ عبدالله؟
يتأملنى أيضا لحظات قبل أن يقول : فين النيلة اللى هايجيب القهوة الهباب اللى عندهم ..
أضحك وأنا أجيبه : طالما قهوه هباب بلاش . فيقول: أيه اللى رماك ع المر يا عم رضا .
والتقينا عشرات بل مئات المرات ويدور نفس الحديث عن القهوة .. ونضحك .
هذا الرجل بمجرد أن ينتهى من قراءة النص ويقف أمام المايكروفون إلا وتجده قد تقمص تفاصيل الشخصية الموجودة على الورق بين يديه لدرجة مذهلة .. نعم هى الموهبة وهى الخبرة .. الإتقان والإخلاص فى العمل إلى أقصى درجة .. عمنا عبدالله فرغلى لم يكن كثير الكلام ولم يحدثنى حديث يعبر خلاله عن رأيه فى شخصى بشكل مباشر أو عن أى أحد .. لكنه كان يعبر من خلال أفعاله .. فحينما كنتُ أحادثه للاتفاق على عمل ما .. كان لا يسأل عن أى شئ .. لا يقول غير "حاضر يا رضا" وأنا أندهش .. ألن تسألنى عن أى تفاصيل يا أستاذ ؟ فيجيب : معاك مافيش أسأله يا ابنى . وأنا أبتلع سعادتى وأصمت. رحمك الله يا أستاذ عبدالله.
الفنان العبقرى زايد فؤاد
هذا الرجل البدين .. جسد معجون من المواهب الفنية .. جوكر .. ويحق للزعيم عادل إمام أن يأخذه معه فى معظم أعماله الفنية .. عمنا زايد فؤاد .. كان ضخم الجثة بشكل يجعله يعانى فى الحركة و هذا الجسد كان سبب وفاته .. ورغم هذا الجسد إلا أن قلبه كان قلب طفل صغير .. نقى إلى أقصى درجة .. برئ بالفعل مثل طفل .. يخجل كما العذارى .. ينطلق فى الأداء الفنى مثل فارس .. حنجرته ذهبية .. يؤدى بإتقان رهيب .. مدرسة فنية عظيمة .. كوميديان حتى النخاع .. كان يعمل معى فى كل الأعمال الكوميدية .. وفى فترة توقفت الأعمال الكوميدية وتقابلنا فى الإذاعة وسألنى عن أعمالى فأخبرته أنه حاليا لا يوجد غير "قطوف الأدب من كلام العرب" فإذا به ينتفض مكانه على كرسيه بشكل كوميدى وهو يصيح : لغه عربية؟! .. لأه يا رضا .. لغة عربية لأ .. لأ ..
كان يرفض العمل فيها .. فلم يكن يبحث عن العمل من أجل العمل .. إنما عما يتقنه ويبدع فيه .. رحمك الله يا عم زايد فؤاد.
الرائع يوسف عيد
وحديثى عن يوسف عيد لن يضيف جديد عنه لأنه كان ذلك الرجل المحبوب من الجميع .. جميعنا نعرفه .. كان يفهم تفاصيل ما أكتبه على الورق بدون أى توجيهات .. يحفظنى كما أحفظه وأكتب له .. يعلم متى يبدأ وأين يتوقف .. وأين يلتقط أنفاسه .. يغنى المونولوج والموال الشعبى بشكل كوميدى .. يحفظ بعضها ويستأذن فى أن يضيف أحدها إلى النص .. حتى إننى فى أوقات كنت أكتب له بين قوسين (موال) وأترك له الحرية فى اختيار وغناء ما يريد .. عملنا معًا الكثير والكثير حتى قبل وفاته بيوم واحد ..
رحمك الله يا أبو هانى.
الفنان فاروق يوسف
عملنا معا فترة بسيطة فكان هو أول من توفى من فريق الكوميديا الذى رافقنى طويلا .. كان يحب الحكى .. ما أن نلتقى حتى يبدأ فى الحديث عن الذكريات .. يتحدث ويتأمل الحضور ويضحك .. كان خفيف الظل .. صوته يمتلك بصمة واضحة وحضور .. يستطيع أن يؤدى أصعب الأدوار الكوميدية فى بساطة وقد ترك بصمة واضحة فى السينما خلال أدوارة المتعددة .
رحم الله الفنان فاروق يوسف.
الفنان القدير محمد متولى
"ميتو" هذا الاسم الذى كنت أناديه به ويحبه هو .. رجل هادئ .. فنان يمتلك الكثير من المواهب .. صوته مميز .. يؤدى ببراعة فى أكثر من اتجاه .. كان يلح على النص بشكل كبير .. "بيفلى النص" كما نقول بلغتنا .. لا يدع فيه جملة أو كلمة إلا ويفهمها جيدا ويعطيها الأداء المناسب لها .. دائم الحضور حتى رجل فجأة .. رحم الله الفنان محمد متولى.
الفنان القدير محمد وفيق
وجلعت هذا الرجل حتى النهاية كى أختم به هذه الجولة .. كان رحمه الله رائع .. صاحب أداء وشجن .. يفكر ويناقش .. محب .. هادئ لأقصى درجة .. يتواصل باستمرار ويسأل عن الحراك الفنى ويطلب المشاركة فى عمل مميز ولو مشاركة مجانية .. يعلم بأننا جيران نسكن نفس المدينة فيتصل بى ويطلب أن أزوره فى بيته .. أزوره فيستقبلنى هو والببغاء "ريكو" يسعدون بزيارتى لأقصى درجة .. كان وحيدا بعد وفاة زوجته كوثر العسال .. فعائلته تسكن الاسكندرية ...
رحم الله الفنان القدير محمد وفيق.
التعليقات