بعد خمس سنوات من اليوم سيتولى الإنسان الآلى «الروبوت» نحو نصف ما يقوم به العاملون من البشر اليوم ومن المتوقع أن يفقد 75 مليون عامل وظائفهم بسبب التشغيل الآلى بحلول عام 2022، بحسب تقرير المنتدى الاقتصادى العالمي، هذه بعض تجليات الثورة الصناعية الرابعة وهناك مظاهر أخرى أكثر تأثيراً على حياة الناس بل ربما تغير الناس أنفسهم، لذا طالبت القمة العالمية للصناعة التي عقدت على هامش الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة– مؤخراً بتوظيف تقنيات الثورة الرابعة لتحقيق التنمية المستدامة.
بدأت الحكومات فى عدد من الدول التخطيط لاستيعاب هذه التحولات، فأين نحن في مصر والعالم العربي من كل ذلك؟ وهل أعددنا أنفسنا ليس فقط للتعامل مع فرصها وإنما ايضا لمواجهة تحدياتها التي تستلزم مناهج وتشريعات وأسلوب مختلف للتفكير والعمل؟
الثورة الصناعية الأولى بدأت بالقـرن الثامـن عشـر وقامــت علــى الفحــم والبخــار، بينما ظهرت الثانيــة بالقــرن التاسع عشـر وقامـت علـى الكهربـاء، أما الثالثـة فبـدأت فـي سـتينيات القـرن العشـرين، والتـي قادهـا الكمبيوتـر والتـي عرفـت بالثـورة الرقميـة.
وتتميز الثورة الصناعية الرابعة، التي أعلن رسمياً عن انطلاقها في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس منذ عامين، بمزيج من التقنيات التي تتداخل فيها الخطوط بين المجالات الفيزيائية والرقمية والبيولوجية، حيث اتخذت الروبوتات على عاتقها المهام الجسدية الصعبة والخطيرة، من أجل الحفاظ على سلامة المصنع وراحة العمال وجودة المنتج. منذ عام 2011 تنبأ الألمان بالثورة الصناعية الرابعة، عبر مبادرة رجال أعمال وسياسيين وأكاديميين، اسهدفت زيادة دمج أنظمة آلات يتم التحكم بها إلكترونياً، ومتصلة بالإنترنت، وتبنت المبادرة الحكومة الألمانية. ثم توسعت لتتبناها الولايات المتحدة، من بين دول أخرى،بتأسيس جمعية غير ربحية للإنترنت الصناعي عام2014 بقيادة عمالقة الصناعة الأميركية مثل "جينيرال إليكتريك" و"آي بي إم" و و"إنتل".
تتميز الثورة الرابعة عن سابقاتها،بالسرعة ومستوى أعلى من التعقيد، واتساع نطاقها ليشمل كل مناحي الحياة، الجديد أن منتجاتها التكنولوجية لا تغير ما يقوم به الناس، ولكنها تغيرهم. وستكون فكرة تصميم المنتجات والخدمات الموجهة بشكل شخصي، من أكثر تجاليات الثورة الصناعية الرابعة، فمثلا سوف تدخل أنت على تطبيق المصنع بهاتفك الذكي وتعطيه مواصفات المنتج الذي تريده ليقوم بتصنيعه على الفور،مقابل دفع إلكتروني عبر الهاتف.
بل إن الشامبو الذي تستخدمه سيكون مخصصاً لك وحدك بما يناسب نوع شعرك وطبيعة فروة رأسك وما قد يكون بها من حساسية أو قشرة.
كما ســتؤثر علــى بنيــة المجتمــع وهيكلــه وطبقاتــه، بحسب ما ذكره البروفيســور "كالوس شــواب مؤســس والرئيــس التنفيــذي للمنتــدى االقتصــادي الدولــي بكتابــه الصــادر عــام 2016 عن الثورة الصناعية الرابعة، وذلــك بســبب طبيعــة التغيــرات الهيكليــة التــي ســوف تحدثهــا تلك الثـورة ، وبخاصة القضــاء علــى وظائــف قائمــة، فنجــد أن الســيارات ذاتيــة القيــادة ســوف تحــل محــل الســائق، والروبوتــات ســتحـل محـل العمـال، والطائرات بدون طيار "الدرونـز" تحل محـل عمـال توصيـل الطلبـات، ولكـن فـي الوقـت نفسـه ســوف تخلــق الطابعــات ثلاثيــة الأبعــاد، مجــالات جديــدة للتصميــم والإنتــاج.
وهكــذا فإن فهــم التطـورات والتحديـات التـي تطرحهـا الثورة الصناعيـة القادمـة يتطلـب تكاتـف الجميـع، ســواء حكومــات أو شــركات أو منظمــات مجتمــع مدنــي أو جامعات ومراكز بحوث ، مـن أجـل تطويـر قيـم ومعاييــر وأهــداف مشــتركة لــدى الجميــع.
عربيا ليس هناك رؤى واضحة للتعامل مع تحديات الثورة الصناعية الرابعة ، وإن كان بعض الدول العربية اتخذت خطوات قوية بهذا الصدد ، فمثلا أطلقت حكومة دولة الإمارات العام الماضي، استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، بجانب مبارات أخرى تخدم الغرض نفسه، وتتضمن هذه الاستراتيجية، عدة محاور، أبزرها: تحسين مخرجات قطاع التعليم بالتركيز على التكنولوجيا والعلوم المتقدمة. وتبني الاستراتيجيات بمجال الطب الجينومي،والرعاية الصحية الروبوتية. و تحقيق الأمن المائي والغذائي عبر توظيف علوم الهندسة الحيوية والتكنولوجيا المتقدمة للطاقة المتجددة. وتبني الاقتصاد الرقمي والاستثمار في أبحاث الفضاء.
ولهذه الثورة الرابعة تحديات اجتماعية وثقافية وقانونية وغيرها ، لأنها تخلق أوضاعاً غير مسبوقة، وتحتاج إلى نظم وتشريعات جديدة للتعامل معها، فمثلا يتساءل علماءالقانون عن نوعية التشريعات التي تتناول الجرائم التي قد يسببها الإنسان الآلي أو الحوادث الناتجة عن السيارات ذاتية القيادة؟
وفي الحروب فإن الروبوتات تفتقر للجانب العاطفي الذي يميز الإنسان، فقد لا تدرك أن العدو انهزم بالفعل ومن ثم تتوقف عن التدمير، فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟
وعلى المستوى الاجتماعي، كيف يمكن التعامل مع ملايين الموظفين الذين من المتوقع أن يصبحوا عاطلين عن العمل بسبب التوسع في «أتمتة» وسائل الانتاج؟ تساؤلات مهمة تحتاج إجابات عملية على الأرض وليس بيانات إعلامية!
التعليقات