اسمح لي عزيز القارئ أن أدعو النخبة الثقافية والسياسية إلى تجديد العلاجات الطبية التقليدية التي تقوم على التشخيص وصرف الأدوية والجراحات،بحيث يتفقوا على أسلوب مبتكر للعلاج ينهي الأمراض المزمنة ويخفض نفقات العلاج التي تقدر بالمليارات. عفوا أرى ملامح امتعاض واتهام لي بأني خارج سياق العصر الذي يقوم على التخصص العلمي الدقيق.
وكأنك تسألني ما دخل المثقفين والكتاب والأدباء بأمور العلاج ؟ وهم ليسوا خريجو كليات الطب؟ حسنا اتفق معكم وأرجو ان يمثاله سؤال آخر: وما دخل هؤلاء بأمور الدين وهم ليسوا من خريجي كليات العلوم الشرعية ؟ نقول ذلك لأنه تصدى للاجتهاد في تجديد الحطاب الديني أناس لا علاقة لهم بعلوم الدين .
نعم هذا التجديد مطلب مشروع ولكن هناك فرق بين تجديد الخطاب الديني وتبديده،
وهنا لدينا عدة ملاحظات:
أولا: أن الدعوات التي تأتي من الخارج لإصلاح الدين، وتطالب بحذف بعض آيات القرآن الكريم والتعامل معه وكأنه كتاب ثقافي يمكن إصدار طبعة جديدة مزيدة ومنقحة منه، وتعاود الظهور بين فترة وأخرى منذ أحداث 11 سبتمبر2001م، ليست تجديدا بل تبديدا، لأن الدين بطبيعته محكم ومكتمل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(المائدة: 3)
أما تجديد الخطاب الديني فينبع من طبيعة الإسلام ضمن دعوة مستمرة إلى التجديد، تأخذ مشروعيتها من الحديث النبوي الذي رواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبى هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وفي الوقت نفسه يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضاري.
ثانيا ان كون الإسلام لا يضع وسيطا بين الإنسان وربه، لا يعني ان أي أحد يفتي في أمور الدين، نعم لا رهبانية في الإسلام، ولا سلطة دينية للدعاة، ولكن إذا اردت ان تجتهد في شؤون الدين فعليك ان تتأهل لذلك بأن تدرس علومه.
ثالثا: غياب المنهج العلمي في تناول القضية، وأولها تحديد المفاهيم، فهناك فروق بين النصوص الدينية والفكر والخطاب الديني، فالفكر الإسلامي يعني تلك المنظومة المفاهيمية والفكرية والعلمية والثقافية والفلسفية والحضارية، التي ينتجها الفقيه/المفكر/الفيلسوف/المثقف اعتماداً على فهم النص وفق الضوابط الشرعية، وفهم الواقع ببصيرة رسالية وقرآنية.
أما الخطاب الإسلامي فهو الوجه الإعلامي للفكر الإسلامي، سواء من خلال الاتصال المباشر بين علماء الدين والمفكرين الإسلاميين والجمهور مثل الخطب والدروس الدينية، أو من خلال الاتصال غير المباشر عبر وسائل الإعلام الجماهيرية كالصحافة والإذاعة والتليفزيون فضلا عن الوسائل الإلكترونية الحديثة.
ومن ثم فإن فإن الخطاب الإسلامي، يختلف عن النص الإسلامي الذي يشمل القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، ويتسم بالثبات، غير أن ثبات النص لا يعني أن قراءته ثابتة، وإنما هي متجددة، فعطاء القرآن وفهمه واستيعابه يتجدد في كل عصر.
وبناء على ذلك فإن تجديد الخطاب الإسلامي لا يعني المساس بثوابت العقيدة والعبادات ونصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، إنما يعني إعمال العقل في المشكلات المعاصرة لاستنباط الأحكام الشرعية المناسبة والحلول الملائمة لوضع الأمة على طريق النهوض الحضاري. كما يعني تجديد فهم العلماء للقرآن والسنة الصحيحة، ويتناول والمستجدات والنوازل في قضايا معاصرة، لكنه لا يتناول أبدا القطعيات والمسلمات الشرعية. ومن ثم فإن الدعوات التي تطالب بالاكتفاء بالقرآن الكريم، وبترك السنة النبوية ليس تجديدا وانما تبديا للدين، كما أن الافتئات على دور الأزهر الذي يعتبر منبع الاعتدال والوسطية ليس نقدا وإنما هدما لأهم قلاع الدين الصحيحة.
رابعا: يتعامل البعض مع القضية وكأننا بصدد تغير ديكور منزل، بينما، الأمر في حقيقته أكثر تعقيدا، لأن مجتمعاتنا تحتاج إلى خطاب إسلامي جديد، وليس مجرد تطوير في الخطاب الحالي، على طريقة تغيير طلاء البيت من الخارج، وإنما يتطلب الأمر تغيير نوعي في بنية الخطاب وأولوياته وإعادة صياغة أطروحاته، وتجديد تقنياته ووسائله وتطوير قدرات حاملي هذا الخطاب ومنتجيه، لكي يلبي احتياجات الشعوب المسلمة في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها، ويستجيب للتحديات التي تواجها ووفق معطيات العصر.
وهذا يعني أن تجديد الخطاب الديني ينبغى أن يسبقه تجديد الأمة، تجديد البناء والدماء والمؤسسات والأطروحات، فلا يتحقق تجديد الخطاب الإسلامي في أي دولة مسلمة دون تجديد مفاصل الدولة وبنيتها وأركانها ومؤسساتها وإعادة بناء المسلم المعاصر فكرا ووجدانا ليكون مشاركا فاعلا في عملية التجديد والبناء.
خامسا: أن قاعات البحث يجب ان تسبق وسائل الإعلام في مناقشة قضايا التجديد وليس العكس.
التعليقات