العديد منا يلهث خلف مفهوم الحرية، يتخيلها أفقًا بعيدًا أو وعدًا قادمًا، لكن في جوهرها، الحرية الحقيقية ليست عطاءً يُمنح، بل هي انتزاع ذاتي عميق من قيودنا الداخلية. ليست امتلاكًا غزيرًا لما حولنا، بل هي بالأحرى قدرة سامية على التخلي وعدم التعلق. فكم هم كثر أولئك الذين يتوقون للتحليق عاليًا، تراهم يطالبون السماء بأن تحتضنهم، بينما قبضاتهم لا تزال مشدودة بقوة على حبال الأرض، يستجدون التحليق وهم يثبتون أنفسهم في تراب الخوف والروتين!
️ أترغب حقًا في أن تطير؟ إذن، لتبدأ أولاً بتفكيك العقدة الخفية التي أحكمت قبضتها على قلبك. أرخِ تلك القبضة التي تشبثت بالأشياء، وبالأشخاص، بل وحتى بالأمن الزائف الذي بنيته حول ذاتك. اسمح لنفسك بالتحرر من ذلك التعلق الذي لم يجلب لك سوى المزيد من الحزن والكمد، والذي أبعدك عن جوهر الحب الحقيقي بدلًا من أن يقربك منه.
ولنعترف بالحقيقة المرة: التعلق ليس حبًا أبدًا. إنه ليس سوى سجن ناعم، قد تزينه المشاعر الوردية من الخارج، لكن قاعه مليء بالخوف والقلق الدفين. إنه قفص ذهبي تختار أن تسجن فيه روحك، معتقدًا أنه يوفر لك الأمان، بينما هو في الحقيقة يقيد حركتك ويخنق نموك.
أن تحب حقًا يعني أن تختار بوعي كامل، لا أن تتشبث بلهفة مدفوعة بالخوف. أن تبقى بقلبك مفتوحًا على مصراعيه للعالم وللآخرين، لا أن تغلقه وتُحكم يديك بقوة في محاولة لامتلاك ما لا يمكن امتلاكه. إن أردت أن تنعم بالسلام الداخلي الذي طالما بحثت عنه، فارفع يدك عن مقود الحياة، وتحرر من سيطرة النتائج. دع الحياة تفاجئك بمساراتها غير المتوقعة، ودع من يحبك يقترب منك لأنه يريد ذلك بحرية كاملة، لا لأنك أمسكت به بقوة مخافة أن يفلت منك.
افتح يدك، وستندهش من عواقب هذا التحرر. ستجد أن بعض الأشياء التي كنت تظن أنك لا تستطيع العيش بدونها قد سقطت وتلاشت كسراب، بينما ستكتشف أن هناك أشياء أخرى، لم تتوقع وجودها، بقيت معك وستحبك حقًا عندما تكون حرًا غير مقيد.
الحرية تبدأ وتتجلى عندما تدرك يقينًا أن التعلق لا يمنحك الأمان أبدًا، بل إنه العائق الأكبر الذي يمنعك من النمو والتطور. لذا، فك الحبل، وافرد جناحيك، حلّق عاليًا في سماء الوجود. واترك خلفك كل ما لم يحبك إلا بشروط، أو كل من لم يرَ قيمتك إلا عندما كنت خاضعًا له. تذكر، التحليق ليس حلمًا بعيدًا، بل هو قرار داخلي عميق بتحرير الروح.
ما هي أول عقدة ستختار فكها لتنطلق نحو حريتك الحقيقية؟
التعليقات