في هذا العالم المتعجل بالحكم، كثيرون يُولدون ولا يُمنحون حق أن يكونوا كما هم.
تُلقى عليهم ظلال التوقعات باكرًا، وتُرسم لهم خرائط السير دون أن يُسألوا عن وجهتهم.
فإن خالفوا، نُعتوا بالعصاة، وإن تأخروا، حوكموا بالخذلان.
هم الفئة التي لم تكن أبدًا كما أرادوها.
لم تُشبه الصورة المعلقة في أذهان من حولهم، لم تُجيد مجاراة القطيع، ولا انحناء الظهور إرضاءً للعابرين.
لكنهم لم يضيعوا، بل وجدوا في الرفض ولادةً جديدة، وفي العزلة خلوةً مع الذات، وفي كل محاولة لتشكيلهم… دافعًا للانعتاق.
هم الذين قرروا ألّا يكونوا كما يُراد لهم، بل كما يجب أن يكون الإنسان:
حرًا في جوهره، نقيًا في رؤيته، وعصيًّا على أن يُختزل.
اختاروا الطريق الوعر، لا لأنهم يحبون الألم، بل لأن القمم لا تُبنى في السهول، ولأن الطين لا يصير نُحاسًا… إلا حين يُرفَض.
واليوم، حين يُحاول الناس اللحاق بخطاهم، لا يجدون إلا آثارًا تُشبه النيازك:
نادرة، عظيمة، وبعيدة.
لقد صاروا ذلك الصنف الذي لا يُطال.
لا لأنهم تكبّروا، بل لأنهم ارتفعوا.
لا لأنهم استغنوا، بل لأنهم اكتفوا بذواتهم، وصاروا عالِمين بأن القيمة لا تُمنح من الخارج، بل تُولد من الداخل.
فإن سألت: من هؤلاء؟
قيل: هم أولئك الذين، لما لم يكونوا كما أرادهم الجميع…
صاروا كما لا يستطيع أحد أن يكون.
التعليقات