لن يكفَّ المصريون أبداً عن إبهار العالم، فإن انتهت حضارة السبعة آلاف سنة، تبقى حضارة شعب يظهر أصله الفرعوني في كل تصرفاته.
لقد عانى المصريون من مرارة الأزمة الاقتصادية العالمية كما لم يعانها أحد، وضاق عليهم الحال في السنوات الأخيرة حتى أصبحوا لا يأملون في أكثر من قوت يكفي ليوم هانئ، حتى ظن العالم خطأً أن هذا سيحول دون عزيمة المصريين وسيؤدي لا محالة إلى تساهل في المساومة على الأرض والعرض والشرف.
ولكن الحال كان مخالفاً لكل تلك التوقعات؛ فبمجرد أن شعر المصريون بالخطر، التفوا حول قائدهم صانعين قبضة بقوة تكسر الصخر، حتى وإن كانت قوة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية. فهكذا هم المصريون وعلى هذا عهدناهم؛ الاستعداد قائم حي في قلوب الجميع من صغيرهم حتى كبيرهم، مفضلين تقديم أرواحهم على ترك ولو شبر واحد من أرضهم. فإن كان هناك بلد شقيق يُسمى "بلد المليون شهيد"، رحمهم الله، فيمكن أن نقول عن مصر "بلد المائة مليون المستعدين للشهادة".
إن أرض سيناء هي الأغلى على المصريين قائدًا وشعبًا، ليس لما يُعده العالم من مميزات لأرضها، فالأب لا يفرق بين أبنائه بالكفاءة والجمال، ولكنه يعطي الاهتمام الأكبر دائماً لذلك الابن الذي أُصيب بمرض عضال. فكلما زاد الخطر على حياته زاد اهتمام الأب به، وهكذا هي سيناء بالنسبة إلى المصريين؛ المساس بها واستسلامهم لا يمكن أن يجتمعان.
والغريب أن هناك العديد من الاتهامات الموجهة بعنف تجاه المصريين، حيث يُزعم أن سبب رفضهم للتهجير ليس خوفاً على القضية الفلسطينية بل خوفاً على أمنهم القومي. مثل هذا الاتهام يترفع المصريون عن دفعه عنهم استهزاءً بقائليه؛ فهل كان بين مصر وإسرائيل عداء؟ وهل كان هناك داعٍ لوقوف مصر أمام مصالح أمريكا في إقامة دولة مستقلة لليهود على أرض فلسطين سوى الخوف على الفلسطينيين من الفناء، وعلى قضيتهم من التصفية؟ فمنذ حرب 1948 حتى يومنا هذا لم يتخلَّ المصريون عن الفلسطينيين قط، ولم يقتصر دعمهم على الدعاء، بل ذهب الجيش المصري للمحاربة جنباً إلى جنب معهم ضد عدو واحد في حرب سُميت "حرب فلسطين".
ومنذ ذلك الحين، دخلت مصر في عين الاعتبار، وتوجهوا إليها بكامل قوتهم عدواناً في 1956، ونكسة واحتلالاً في 1967، وعبوراً وتحريراً في 1973. وقائع تعرض فيها المصريون لخسائر فادحة؛ خسروا أغلى ما يملكون من خيرة شبابهم، وعاشوا لسنوات يفضلون شراء السلاح على شراء الطعام للوقوف أمام قوة تُمد بالمال والغذاء والسلاح بلا أي عناء. كابد المصريون مرارة احتلال سيناء لست سنوات، والله أعلم كيف مرت على قلوب من عاصرها، فالأكيد أنه مهما حاول الروائيون وصنّاع السينما نقلها، فهذا فقط ما عجزت كرامة المصري عن دحضه وليس كل ما شعر به. وما زلنا إلى يومنا هذا نعاني الأثر المادي من حروبنا تلك.
وإن نودي في المصريين: هل من نادم؟ لما وُجد نادم. فلو تكررت تلك الظروف ألف مرة، سيقف المصريون وقفتهم المعهودة نفسها، والتي نراها اليوم في وقفة قائدهم ورئيسهم عبدالفتاح السيسي الذي قالها بوضوح؛ أنه حتى وإن تطلب الأمر إنهاء معاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل، أي الدخول في حرب جديدة أمامهم، فلن يخضع المصريون لأحد ولن يرضوا لغيرهم بالتحكم في مصير أرضهم. ثم قال مستذكرا الصاحب الأول للقضية: "إن رسالة السادات لكم كانت واضحة، كتبها بدمائه التي روت تراب مصر المقدس، وجوهرها: أن مصر تعلو ولا يُعلى عليها، لا تقبل الظلم ولا المهانة، لا تستسلم لاحتلال أو طغيان، وإنها تطلب السلام العادل، الذي تحميه القوة القادرة؛ فتسير وسط أمم العالم مرفوعة الرأس عالية الراية."
فمصر دولة حرة، بسلطتها الذاتية، وجيشها الحامي، وقائدها المخلص، وشعبها القادر. أدامها الله للمصريين أولاً، وللوطن العربي بأكمله ثانياً وثالثاً.
التعليقات