بمنتهى الموضوعية وبدون انحياز عاطفي، يمكن القول إن ظهور مسلحي حماس خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار يُعد تصرفًا غير مدروس على الإطلاق. هذا الفعل قد يُستخدم كذريعة من قِبَل الاحتلال لخرق الاتفاق متى شاء، وارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأرض المحتلة وسكانها العُزّل. خاصة وأن الإدارة الأمريكية، بقيادة "ترامب"، قد توعّدت مسبقًا بدعم "الكيان الصهيوني" ومساندته إذا ما تم خرق الاتفاق من قِبَل حماس.
وكما هو متوقع، سيكون الاحتلال هو القاضي والجلاد في آن واحد، وسيُقيّم الموقف بما يخدم مصالحه دون أدنى اعتبار للعدالة أو الاتفاقات الدولية. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل أخذ هذا التصرف بعين الاعتبار مصير الشعب الفلسطيني؟ أشك في ذلك وأرتاب في حكمة هذا العمل تمامًا.
لا شك أن العدو الصهيوني وحلفاءه يتربصون بالمنطقة بأسرها. والغريب أن المنطقة الممتدة بين المحيط الذي كان هادرًا والخليج الذي ثار يومًا ما، لم تعُد كذلك. بات "الطناش" هو السائد، ولا يمكن إعفاء شعوب هذه المنطقة من المسؤولية وتحميلها للحكام فقط. لكن، ألا يدرك الحاكم قبل المحكوم أن الصراع أصبح صراع وجود لا صراع حدود؟ الوجود هنا لا يعني سوى الحفاظ على الهوية والكيان لتلك الأمة التي أصبحت اليوم تغرق في صراعات الأعراق، والقوميات، والمناطقيات: عرب، أعاجم، أكراد، بربر (الذين باتوا يُطلق عليهم أمازيغ)، وغيرهم، وهذه مجرد أمثلة لا حصر لها.
إن ما يسعى إليه العدو من هذا الصراع الوجودي هو أن يتحول فقراء المنطقة إلى مجرد "شغيلة" في عبودية مقنّعة، بينما يصبح أغنياؤها مجرد كائنات كسولة مستهلكة تحيا في رفاهية زائفة.
ودون الخوض في موضوعات حساسة يعلمها الجميع، يجب التذكير بوجود كيانات عنصرية قائمة على أسس مختلفة لتبرير وجود بعضها البعض. والهدف النهائي هو راحة أوروبا والغرب من "اليهود" الذين عانوا منهم لقرون طويلة، عبر التخلص منهم بتحقيق الحلم التوراتي "من النيل إلى الفرات"، كما يرمز إليه الخطان الأزرقان على علم الكيان الصهيوني.
وفي ظل سعي كل طرف لتحقيق أهدافه، لا يمكن تجاهل استعراض حماس المسلح مؤخرًا. هذا التصرف لا يمكن تفسيره إلا بأحد أمرين: الأول، تأكيد تمسكهم بحكم قطاع غزة وعدم قبولهم بأي بديل فلسطيني آخر، بما في ذلك السلطة الفلسطينية. والثاني، تورطهم في خطة ذات أبعاد مريبة.
وفي جميع الأحوال، ومهما كانت الاحتمالات والتطورات، يبقى الأمر الوحيد المؤكد وكأنه متفق عليه بين جميع الأطراف: أن شعب فلسطين الأعزل لا بواكي له.
التعليقات