امسكت هاتفي المحمول وتصفحت Google docs فهالني عدد الملفات التي كتبتها ولم انشرها.
كلمات كثيرة صادفت روحي هوى وتعبيرا لكنها بقيت مقيدة ضد مجهول، لا أرغب في نشرها أو إكمالها أو حتى محوها ولا أجد القدرة النفسية على إنهائها.
الأشياء الغير مكتملة ترهقني نفسيا بشدة.
كل التفاصيل الصغيرة المكدسة في المنزل والتي يفترض بي إكمالها، كل أعمال الصيانة التي لم يصيبها الدور، كل لوحة بدأت رسمها ولم تكتمل، كل كتاب بدأت قراءته ولم استطيع اكماله إما لضيق الوقت أو الإرهاق أو لأنها لم تروقني.
أذكر أني قمت في يوم بالتخلص من رواية بدت لي شديدة السوء والملل اعطيتها ثلاث فرص في عامين وكل مرة أقف عند الصفحة ٤٥ ولا أستطيع أن أكمل فألقيت بها سلة المهملات.
لم أعرف لماذا تخلصت منها بهذه الطريقة ولكني أدركت اليوم أن الأشياء الغير مكتملة تقتلني.
أتخلص من كل ما لا يلزمني في المنزل، سواء ملابس أو صحون أو كتب أو نثريات لا تستخدم.
كل ما تحتاجه حقا تستخدمه غير ذلك يتحول لثوابت تعتاد عينيك عليها وتصبح غير قادر على التخلص منها ولا لديك القدرة والوقت لإعادة تدويرها … التخلص من تلك الأشياء تبقى لدي في خانة الأشياء المكتملة.
يقول شمس التبريزي: "إن المرء مع من لا يفهمه سجين".
هذا قول عظيم لأن أول من يجب أن يفهمك هي نفسك.
ثلاثة أرباع مشكلات الإنسان أنه لا يعرف حقا ما لا يريد، لا يرى خط الأفق في مشواره، ما يقبله اليوم ويحبه يمكن أن يتنازل عنه غدا.
واحدة من أفضل المهارات التي تعلمتها من زوجي العزيز بحكم مهنته في الهندسة هو كيفية تحديد المشكلات.
دائما كان يقول لي إذا حددت بالضبط نوع المشكلة وماهيتها كنتِ في طريقك لنصف الحل.
تعلمت تلك المهارة بصعوبة شديدة فقد كنت صغيرة السن وقت تزوجني، لكنها فتحت داخل روحي آفاق عديدة أعانتني في المقام الأول على فهم نفسي وطبيعي.
أخاف بشدة من الأعمال الغير مكتملة، لم نعرف أن مَثّال أنهى العمل الفني لشخص آخر، لا أحد يكمل رواية بدأها شخص آخر، لن يستطيع أحد ما أن يقوم مقامك في الصلوات التي تركتها، لن يصوم عنك أحد، لن يقتحم أحد بيتك ليربي لك أبنائك أنت من يجب أن يفعل، وأخيرا لن تحصل على المودة الحقيقية لو أعطيت حب منقوص.
الأشياء الغير مكتملة تفضي إلى نهايات مبتورة، تدفع بالضجيج الشديد إلى رأسي فأفقد بذلك وضوح الرؤية وتلك التفاهمات مع نفسي ومن ثم تشرع الأخيرة تلتهمني من الداخل.
أحيانا أجد أن هذا الشعور به بعض المبالغة لكن كم المجهود الذي أبذله لإنهاء الأشياء يؤكد لي ذلك.
يسعدك بالطبع ما تستطيع أن تغيره بيديك، لكن ستبقى الأشياء الغير مكتملة حائلا بينك وبين سعادتك.
هنا أنت عرفت المشكلة بقدر كبير من الدقة، يتبقى لك نصف الحل.
أن تتكيف على كل ما يحول بينك وبين سلامة روحك، أن تضع كل الحلول الممكنة لإنهاء الأشياء ثم تتحلى بعد ذلك بالرضا عن ما تحصل عليه.
الفرق الوحيد الذي يوفقك لعافية القلب أنك لم تستسلم، لقد رضيت بعد الجهد، تقبلت قدرك كما هو، لم ترتجل في دنيتك بل استخدمت كل البدائل لتطويع الشيء ليعود لمساره الصحيح. كون الحديد لم يلن فلابد أن الله أراد له أن يظل على صورته ..
هنا يا صديقي، تدرك أن تقبل البدائل جزء من تعاليم الرضا، وأن بعض الأشياء الغير مكتملة ضرورة لتمتن بما لديك وأن أمام مئات الأشياء التي أتقنت إنجازها يظل بعض الأشياء منقوصة مفقودة … وأن تلك الأخيرة قد تكون بابك الأوحد للتواصل مع الله من خلال الدعاء.
كل الأشياء الغير مكتملة حتما تكتمل برضاك … ففي النقصان أجمل أهداف الحياة وأقوى مصادر العطاء.
التعليقات