لو كنت تتصور أن حياتك تدور حول النعم وأن تلك النعم هي فقط أسباب سعادتك فدعني يا صديقي أناقش معك اليوم تلك الفكرة.
هل تتذكر كم النعم التي كنت ولا تزال ترفل فيها؟ لا أعتقد، فنحن دوما نميل إلى الخوف من الخسارة والفقدان.
عادة الإنسان الإسهاب في تصور ما يخشاه، أن تُترَك بلا حب أن يخذلك الأهل والخلان، أن يضيق عليك رزقك وأن تفقد في أيامك دلائل الحب ونعمة الاطمئنان.
أليست هذه معظم مخاوفنا؟ بالقطع لا وألف لا.
إن أسوأ ما يفعله الزمان بداخلك أنه ينسيك من حقا وقف بجانبك، أن تظل ذاكرة تخزين الأحزان تطفو على مشاعرك وأن تشعر أنك وحدك.
إن أعظم ما في الابتلاء أنه ينحت داخل روحك صلة قوية بربك العظيم. تظل تسعى وتنظم طريقك ومسارك متصور أنك بذلك تتجنب أن تكون من المبتلين.
البلاء الأوحد هو بقائك دون إبتلاء، دون امتحان حقيقي لقوة صلتك بالله وجودة استعانتك به وصبرك الحقيقي على العثرات.
تلك العثرات القوية وأحيانا الدامية هي الاختبار الحقيقي لإيمانك وحسن مرورك في الدنيا.
قرأت مقولة ساطعة للدكتور عمرو النجار يقول:"من خير النِعم أن يؤتى المرء قلباً لا تعطله الأحزان عن السعي".
عظمة تلك الكلمات تكمن في أنها توحي لك بفضل استمرارية السعي رغم أنك مخترق بالكثير من الأوجاع والأحزان.
أنت مُطَالب بالحياة ومُطَالب بجودة المرور في دنيتك مهما تعددت أحزانك مهما ثقل الهواء الذي تتنفس ومهما جرحت أطرافك كلاليب الدنيا. لابد أن تسعى وتتقوى بنفسك وتستمر حتى تهدأ رياح الغضب في دنيتك.
عرفني طريق شخص واحد لم تدق روحه راحيا الدنيا. ستظل السعادة مرهونة بإيمانك أن الله يعطيك لأنه هو الكريم وليس لأنك تستحق.
تتناوب على أيامنا سحائب الفرح والحزن، تارة تلتحف الأمل وتارة يزورك الألم والخذلان، يوم تعتبره خميس وآخر يمر كالدهر ساعاته ثقيلة رطبة خانقة تحبس فيها الأنفاس.
ثم تتساءل لماذا أنا؟ لماذا يلون عمري سحائب الخريف؟ لماذا تزورني الهموم؟ ولماذا يمر الضوء سريعا وأعيش كثيرا في الظلام؟ لماذا تزحف الأوراق الرمادية على كتاب العمر الأخضر؟
أجيبك أنا يا صديقي … لأنه يحبك، لأنك لازلت تنتظر مكاسبك في الدنيا، لم تتعلم بعد كيف تكون إنسان رباني، تنظر لألم الابتلاء ولا تتعلم منه تسكن وتكمُن في حضوره ولا تتوهج.
وهل نتوهج في الابتلاء؟
نعم وألف نعم، لأنك تتعلم في حضوره شيء عظيم هو الغرض الأوحد من خلقك … تتعلم كيف تستمع لصوت الله، تتعلم كيف تدعوه، تتعلم الإخلاص والتسليم، تترك الطوفان يغرقك لأنك على يقين أن يده سبحانه وتعالى تنتشلك في آخر لحظة بطريقة مبهرة لم ولن تخطر ببالك.
في حضرة البلاء تبزغ يد العون، تجد الله في إنتظارك لأنك رأيته ودعوته كما يحب واستعنت به وحده عن سائر العالمين.
هكذا ربنا يحب أن تكون مخلص أمين له وحده، في المشهد الكئيب الذي يمر عليك لا ترى أحد غيره، تلهج روحك بالوصل وتستبدل دماء الخوف التي تنزف من روحك بجسور التعلق به وحده.
هكذا يحب الله أن نطلب منه العون، هكذا يحب الله أن ندعوه ونرجوه بلا شريك بعد أن تنقطع كل الأسباب إلا منه، وهذا هو الطريق الممهد لمعونته جل علاه.
ينصف قلوبنا، يرأب صدع أرواحنا، يضمد جراحنا، ويطبطب على أرواحنا بيد الطمأنينة ليظل لطفه الخفي في أحلك أيامك هو المعجزة الحقيقية التي تظل تتحدث عنها.
لن تتذكر بعد ذلك إبتلائك قدر ما سوف تحكي لمن حولك كيف انقذك الله، كيف وقت أن كانت كل الأسباب من حولك تدفع لهلاكك أو هلاك من أحببت تدعوه فيأمر الأرض والبشر والجماد أن يتلطفوا فيفعلوا صاغرين. وسط ذهولك وسط كل الأسباب التي انقطعت، تجد الرحمة تتفجر من قلب أحدهم وقد ظننت أنه سيكون أول أسباب هلاكك.
الأعظم من كل ما سبق أن يتم كل هذا التيسير بكل رحمة موجودة على الأرض بكل رضا تنفتح أمامك أسباب النجاة وأنت العالق في بئر مظلم تجد يده الكريمة تستخلصك من كل ما استهلك روحك وكاد يقضي عليها.
سيزورك الله في أحلك أيامك المظلمة لأنك استدعيته سبحانه بأجمل الكلمات من كتابه العزيز: [أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ] سورة النمل ٦٢.
ربي ... أعلم أن البلاء في الدنيا هو جزء لا يتجزأ من اختبارنا، لا أدعوك سوي أن تتلطف بقلوبنا يا من أنت القادر الأوحد اكشف عنا السوء إذا حضر ولا تنسينا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فأنت سبحانك على كل شيء قدير.
التعليقات