أعيش بينهم وأنا واحدة منهم؛ أنتمي إليهم ولا أستطيع العيش بدونهم. أحبهم عندما يجتمعون ويتكاتفون. أتأملهم بسعادة وهم يتقاسمون الطعام والشراب. تتسع ابتسامتي مع مسحة على رأس طفل ومع لمسة حانية على يد مريض. تطرب أذني لدعوة صادقة من القلب تبدل الحال وتشع البهجة أملا في خير قادم لا محالة. أراقب محتاجا يقتسم قوت يومه مع رفيقه فيؤكد لي أن القلوب الصادقة والنيات المخلصة لايمكن تخريبها. أبتهج لرؤية عمل بسيط يدخل السرور على قلب آخر وكلمة طيبة تخرج من فم ربما تكون سببا في تحفيز شخص آخر على النجاح ونبراس نور يرشده في طريق ظنه لا رجاء منه. أحبهم عندما يجتمعون لتفريج كرب أو سد دين أو إماطة أذى عن الطريق. أتأملهم بفخر وهم يسهرون الليالي طلبا للعلم وسعيا لغد أفضل. أقف في صمت أمام هيبة يد تشققت وهي تعمل لتكسب مالا حلالا. أنحنى احتراما لكلمة حق لا تخشى في الله لومة لائم نطق بها قائلها فرفعت ظلما عن آخر أو أرجعت حق ضعيف لا حول له ولا قوة. تبهرني خطوة ثابتة وعزيمة لا تكل ولا تمل.
أحبهم أطفالا يضحكون ويركضون في براءة لا يعرفون من الحياة إلا بريقها ولا يتنفسون إلا حرية وانطلاقا. أتأمل عفويتهم وبساطتهم فأود لو يتوقف بهم الزمن في هذه الحقبة لكن هيهات. أحب من يزرع شجرة ولا يحظر خيرها على أحد. كم هو رائع من يسقي طيرا أو يطعم حيوانا! ما أجمل من ينقذ روحا ضاقت عليها الأرض بما رحبت. تتسع ابتسامتي لمن يقيل عثرة غيره ويزداد حبي لجار لا ينام وجاره جائع. أحب الأم الرؤوم والابن البار. أزداد إكبارا لأب كريم عطوف مثابر لا يألوا جهدا في رعاية أسرته. أتأماهم بفخر وسعادة وأحمد الله أنني أنتمي لجنس البشر.
ما أحلاهم وهم يرفعون الظلم ويقيلون عثرة بعضهم البعض. ما أكرمهم وهم يصدحون بالحق ويمسحون دمعة مكلوم أو يجبرون كسر مغلوب على أمره.
أدير وجهي في الاتجاه المعاكس، هاهم هناك يتقاتلون ويتشاحنون. يسب بعضهم بعضا ويضرب القوي منهم الضعيف. هذا يأذى بكلمة جارحة وذلك يرد الأذى بفعل أكثر إيلاما. مؤامرات تحاك بليل؛ أعراض تنتهك ودماء تراق، حقوق تغتصب ودموع تذرف بلا ذنب اقترفته. هذا مغتر بماله ونفوذه وذلك خدعته بنيته القوية فظن أنه يفوق البشر وأن الجميع دونه ضعفاء مستضعفين. شخص ألهبته شهوة النجاح والسيطرة وآخر يتفنن في صنوف الإيذاء فعلا وقولا. يتيم يظلم وامرأة تنتهك. فقير يحرم وأناس يطردون من نعيم بلادهم وبيوتهم. يعذبون الحيوان والطير وكل من يقع تحت سيطرتهم بلا حول ولا قوة فأمقتهم وأمقت ما يفعلون. أهؤلاء بشر مثلي؟ متى تحولت قلوبهم لصخر أصم ومتى ماتت مشاعرهم وتحجرت الرحمة في عروقهم؟ ما هذا الكبر وما هذا القبح؟ أمد يدي أمامي علها تكون حاجزا بيني وبينهم. لا أحبهم ولا أقر بما يفعلون. لا يشبهونني ولا أشبههم. لا أنتمي لهم ولا أريد أن أحسب فردا في جنسهم.
تتنوع تجاربنا البشرية وتتفاوت خبراتنا سلبا وإيجابا. في إنسانيتنا ما هو مصدر فخر فالله أكرمنا بعقل واعٍ يفكر ويختار. تهوى أفئدتنا شفقة ورحمة تجاه بعضنا البعض وتجاه الكائنات الحية التي تشاركنا محيطنا وبيئتنا. لكن هناك البعض منا يصر على البدائية والهمجية. لا يرحم صغيرا ولا يوقر كبيرا. أعماه الكبر والغرور فظن أن لن يقدر عليه أحد. اختار الأذى وإن كان كلمة قاسية تسمم الروح والبدن. اعتنق بعضهم الظلم وحرموا الرحمة بكل أشكالها على أنفسهم وعلى غيرهم.
تجاربنا وخبراتنا الشخصية هي منبع مشاعر الحب والكره. لا تتساوى طبائعنا ولا سماتنا فنركن للخير إن كان متأصلا فينا أو لا نرى غضاضة من الشر إن كنا ممن اعتادوا عليه. سيظل التناقض جزءا لا يتجزأ من طبيعتنا البشرية ولن ينتهي الصراع بين الحق والباطل. يشرق يوم ويظلم آخر. تغرد العصافير يوما ويزأر الرعد أياما أخرى. ربما يود البحر لو ظل رائقا براقا دون هدير أمواج أو تلاطم لكن هيهات!
التعليقات