رأيت منذ قليل مقطعا على أحد مواقع السوشيال ميديا لسيدة أحد محال بيع المجوهرات؛ حيث دخلت عميلة لتسألها عن سعر أحد القطع المعروضة؛ فأجابتها أنها ليست للبيع لأنها ميراث عائلي ثمين جدا وأن قيمته المعنوية أكبر بكثير من قيمته المادية. أزاد هذا الكلام من جمال القطعة في أعين العميلة؛ فهي الآن لا تدفع ثمن مجرد قطعة مجوهرات، بل تدفع ثمنها وثمن تاريخها وثمن أصالتها وثمن رضا مالكها الأصلي الذي سيعاني ألم فقدها... فأخذت العميلة تزيد من قيمة عرضها لشراء القطعة حتى استطاعت وأخيرا امتلاكها وخرجت بها متباهية فرحة؛ وهنا فتحت صاحبة المحل درجا يحوي المئات من القطعة ذاتها، ثم أخرجت قطعة أخرى لتعرضها للبيع مرة أخرى....
أتساءل دائما عن حال تلك الشعوب الكائنة على أراضٍ بلا هوية، بلا تاريخ، بلا أصالة... على الرغم من أن تلك الدول هي الأنسب دائما للهجرة؛ لأن غالبا ما يحيا شعبها وهو أبعد ما يكون عن الغيرة على بلاده وعاداته وتقاليده وعن التعصب تجاه من يريد انتهاك تلك الأسس؛ لأنه في الأساس ينحدر من أصول بلد أخرى...
نرى في يومنا الكثير، فأما عن حياتنا فإننا نعيشها ونحن على يقين تام بأنه دائما هناك المزيد، وهذا اليقين هو ما يدفعنا نحو استكشاف كل ما هو جديد. نرغب في ضم العالم بين كفينا لرؤية أجمل ما فيه، فالقليل منا يملك الحظ الكافي الذي يؤهله للمس هذا الجمال في الواقع بأن يسافر حول العالم ويرى تلك الثقافات بممارساتها المختلفة، وأما عن البقية فلم ينساهم الله؛ فقد منَّ الله عليهم بنعمة ملكة التدوين التي تمكنت من الرحالة لتجعلهم يسجلون أدق تفاصيل رحلاتهم بين غلافي كتاب؛ فتنعم وأنت في سريرك الدافئ بجولة حول العالم.
لتجد أنك في جولاتك تلك لا تلتفت لأي جديد من تلك ناطحات السحاب أو حتى أحدث الاختراعات بقدر ما تلتفت إلى القديم... أن ترى بناء في إسبانيا يعود إلى عصر بلاد الأندلس، أو بناء في النمسا يصل عمره لآلاف السنين، وغيرهم في العراق والصين وبريطانيا وتركيا ومصر وغيرهم؛ وما أكثر تلك اللحظات في مصر، فكل شبر من أرضها تراث يستحق التقدير، ولن نتحدث هنا عن المباني والآثار الباقية من العصور المختلفة حتى لا تكون المقارنة ظالمة؛ فهناك شجرة أمام منزلي يتخطى عمرها أعمار الكثير من الدول الحديثة.
ولا تقف الأصالة على الآثار فقط، بل تظهر أيضا في الفنون فهي جزء لا يتجزأ من الثقافة؛ ففن الرقص الشعبي وحده أو الفلكلور مثلما يُعرف لدولة مثل الهند أو إسبانيا أو مصر كافٍ لإبهار العالم بأسره.
ولذلك يظل التساؤل مطروحا عن حال تلك الشعوب التي تحيا على أرض بلا هوية... جديدة بكل ما عليها... فإذا أردت تخيل حالهم تلك؛ فقط تخيل أن تكون مصر يوما بلا آثار، بلا فنون، بلا ثقافة، بلا أصالة.... تخيل أن تكون مصر يوما بلا هوية.
التعليقات