تتعدد فصول السنة على اختلافها بمراحلها الانتقالية؛ فبين صيف وشتاء هناك ربيع وخريف.
ويبقى الفصل صاحب السمعة الطيبة دائما والأقرب إلى قلوب الجميع هو فصل الربيع، حتى أنه كان يُعطى لنا كمعلومة في المرحلة الابتدائية "إن فصل الربيع هو أجمل فصول السنة" وكأنها حقيقة ثابتة وليست مجرد وجهة نظر سطحية.
يرى الناس في فصل الربيع انتهاء برودة الشتاء وكآبة سمائه وطول لياليه وهشاشة الأنفس خلاله. يرون الورود المتفتحة بألوانها الظاهرة بألوان أشعة الشمس الصفراء والبرتقالية والحمراء. يرون كل ذلك ويغضون بصرهم عن رياحه الخماسينية القاتلة، وعن صعوبة أخذ النفس على أصحاب الأمراض الصدرية، ووجع ومعاناة التهابات الجيوب الأنفية.
وعلى نفس المنوال يرى الناس فصل الخريف. يرون اصفرار الأوراق وتساقطها وبداية لسعة البرد الليلية التي تمنعهم من السهر طويلا في الخارج، كما تنبئ بقدوم فصل الشتاء، ومن الجانب المظلم أيضا لفصل الخريف هو بداية العام الدراسي الجديد. يرون كل هذا ويغضون بصرهم عن مميزاته. وهنا أتكلم عن فصل الخريف بطقسه المعروف بعيدا عن أي حسابات فلكية لم تعد دقيقة، فالخريف يبدأ وينتهي ودرجة حرارته بين العشرين والثلاثين. في تلك الآونة يصبح كل شيء بسيط مبهرا. تشعر بنسمة السابعة صباحا وهي تسري في مجراك التنفسي ثم إلى جسدك كله فتنعشه. تتيقظ حواسك؛ فتتلذذ برائحة الشاي والقهوة والفلافل الساخنة والمخبوزات؛ فتجرك إليها جرا، وأما عن مذاقها فهذا لا نستطيع وصفه بإنصاف وإن حاولنا ذلك. يصبح الجلوس جميلا والسير أجمل. هنا تصبح الطلعات والرحلات أجمل وأجمل. هنا تصبح الكلمة السيئة مقبولة، والكلمة الطيبة مبهجة. هنا يكون الإنسان في أفضل حالاته على الإطلاق. عقله صافٍ ومشاعره حقيقية متزنة.... فإذا كنت تتنفس جيدا وقادر على اتخاذ قرار صحيح فهل هناك أجمل من تلك الحياة؟!
ولهذا كنت أتعجب من وصف فترة العشرينات والثلاثينات وأجمل أيام العمر بربيع العمر، وما بعد ذلك بالخريف. كنت أرى أن هذا وصف ظالم نابع من التفكير القديم بأن الربيع أجمل فصول السنة والخريف يوحي بالوحشة والنهاية، ولكني أراه الآن وصفا رائعا وإن كان غير مقصود، فأيام العشرينات لم تُخلق يوما للراحة والاستمتاع، أيام تمر بسرعة تُزيد من توترك إبانها، فأنت الآن يجب أن تكمل دراستك، وأن تبني طريقك المهني بأفضل صورة، ويجب أن تختار شريكك في الحياة وأن تبني بيتا وأسرة يتحاكى عنها الجميع، وإن لم تفعل فأنت مُلام.
تعيش العشرينات وأنت تعلم أن كل فرصة تقابلها وتضيعها سيأتيك شبحها في المستقبل لضربك ندما، وإن استعجلت وأخذت كل فرصة أمامك، فمن الممكن أن تندم على أحدهم طيلة حياتك؛ فحقا هذا أكثر ما يمكن وصفه بالتهابات الجيوب الأنفية أو الربيع.
أما الخريف فيختلف كليا؛ فأنت الآن مستقر تستمتع بنتيجة تعبك في الربيع أو متقبل لخطئك فيه... فعلى كل حال جو الخريف يجبرك على التقبل والاستمتاع.
فسبحان من خلق التباين بين الربيع والخريف، وسبحان من خلق من استطاع تقسيم مراحل العمر إلى ربيع وخريف.
التعليقات