إنني أؤمن إيماناً جازمًا بالتجهيز الرباني، وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد قدر لكل نفس ابتلاء ومحنة، لتكون بمثابة نقطة تحول في مسار حياتها.
أَلَمْ يكن خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه، مُلزَماً بمغادرة أحب البقاع إلى قلبه، ليخوض غمار رحلةٍ مهيبةٍ مع صاحبه الصِّدِّيق، وهما يُطاردان كالطريدة؟ كل ذلك كان تمهيداً لبناء دولةٍ عظيمةٍ ونشر رسالةٍ سماويةٍ خالدة.
وها هو ذا يوسف الصِّدِّيق، عليه السلام، قُدِّرَ له أن يُلقى في غيابة الجُبِّ، ثم يُزَجَّ به في غياهب السجن، ليخرج بعدها صاحب مُلكٍ وسلطان , ملكًا عزيزًا .
سيدنا موسى، كليم الله، قُذِف به في اليم وهو رضيع، فإذا بالنهر يحمله إلى قصر فرعون، ليتربى في كنف من كان ألد أعدائه. ثم اضطر للفرار من مصر خائفاً يترقب، ليعود بعد سنين حاملاً رسالة التوحيد ومحرراً لبني إسرائيل.
وتأمل في قصة يونس، صاحب الحوت، الذي ابتُلع ومكث في بطن الحوت، يظنه الناس هالكاً لا محالة. فإذا بهذه المحنة تكون سبباً في عودته إلى قومه داعياً، ليؤمنوا جميعاً.
وها هو ذا أيوب، عليه السلام، نموذج الصبر والاحتساب، ابتُلي في ماله وأهله وجسده، حتى ظن الناس أن لا خلاص له. فإذا بمحنته تتحول إلى منحة، ويعوضه الله خيراً مما فقد، ويضرب به المثل في الصبر على البلاء.
وانظر إلى إبراهيم، خليل الرحمن، أُلقي في النار لإيمانه، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً. ثم أُمِر بترك زوجته وابنه في وادٍ غير ذي زرع، فإذا بهذا الموضع يصير مهبط الوحي ومهد الرسالة الخاتمة.
هكذا تتجلى حكمة الله في ابتلاء أنبيائه وأوليائه، فما يظنه الإنسان نهاية قد يكون في حقيقته بداية لفجر جديد، وما يحسبه الناس هلاكاً قد يكون منطلقاً لنصر مؤزر وفتح مبين.
وفي محيطنا، تتناثر قصصٌ شتى لأقاربنا وأصدقائنا ومعارفنا، ممن شهدت حياتهم تحولاً جذرياً إثر أزمةٍ عاصفةٍ أو حدثٍ جللٍ ظنوه نهاية المطاف. غير أنه - في حقيقة الأمر - كان إعداداً ربانياً وبدايةً حقيقيةً لفصلٍ جديدٍ في كتاب حياتهم.
فسبحان من يُقلِّب الأحوال، ويجعل من المِحَنِ مِنَحاً، ومن الشدائد فُرَصاً للارتقاء والسمو.
#الله_المستعان...
التعليقات