كنت أبحث في أوراقي القديمة عن سبب كرهي ليوم ١٧ أغسطس... لا أملك سوى صفحة تحتوي على تلك الكلمات "١٧ أغسطس يوم شؤم... أنا أكرهه" لم أكتب السبب ولا أتذكره ولكني متأكدة أن السبب ليس بالقوة التي تجعلني أكره يوما من أيام السنة القليلة... فبالتأكيد أخذت ذلك القرار بعدما سقطت أرضا في الشارع أو صرخ أحد والدي في وجهي أو مُنعت من الذهاب إلى عيد ميلاد إحدى صديقاتي فكنت في عمر صغير وإن كان السبب أهم لتذكرته... ولكني ولسبب كنت أجهله لا أستطيع منع نفسي من كره ذلك اليوم فكلما يقترب أتذكر... كلما مر إلى ذهني صدفة أو عندما أقرأ سطوري القديمة أشعر بالكره الشديد الحي المتجدد الذي لا يفتر.
لم أكن أدرك سلطة العقل على المشاعر؛ حيث ظننت أن كلا منهما سلطة مستقلة تقوم بمهام محددة، ولكن هذا لا يعني أن هذا التلاحم والتأثير المتبادل أمر إيجابي بل في قمة السلبية، فالعقل إذا تأثر بالمشاعر يصبح غير منصف؛ لذلك مُنعت المرأة في الإسلام من مناصب القضاء والشهادة مثل الرجل وقيل عنها ناقصة عقل؛ لأن لمشاعرها سلطة مهيمنة على عقلها وقراراته، والمشاعر إذا تأثرت بالعقل فقدت صدقها والأمانة في التعبير عنها، ولذلك يُتهم أغلب الرجال بالكذب في مشاعرهم لأن لعقلهم الكلمة الأولى دائما.
تتأثر المشاعر بالعقل عندما يتم اقترانها بالواجب، فأنا أكره أحدهم يجب أن أذكر نفسي دائما بذلك الكره حتى لا أتعرض لخيبة الأمل نفسها مرة أخرى وهذا بالتأكيد قرار من العقل تأديةً لواجبه في حماية المشاعر. أحب أحدهم! إذا فمن الواجب أن أعبر عن حبي ذاك كل يوم وإن لم يأتِ ذلك التعبير من داخلي. أن أقول صباح الخير ومساء الخير وأن أطمئن عن كل ما يخصه بصورة دائمة مستمرة بملل... فقط في سبيل تأدية الواجب لأن عقلك يدرك أنك إن لم تفعل هذا ستلام...
ولكن وبالتدريج تصبح كل هذه التصرفات والكلمات الجامدة فارغة لا تحمل أي مشاعر، فأنا أقولها تأدية واجب وأنت تستقبلها تأدية واجب، وهنا تفقد جمالها مع صدقها.
سبحان من خلق هذا التوازن بين العقل والوجدان بداخلنا على اختلاف وهو يعلم ما يحتاج إليه كل طرف فأوجده في الطرف الثاني، ولكن ألم يزدد الأمر عن حده قليلا؟!
تخيل حياتك إن كنت تسمع تعبير صباح الخير وأنت تعلم أن من أمامك يقصده كليا بدون أي تقليدية زائفة أو حتى عادية. أن تسمع معايدة عيد ميلادك ممن حقا يريدون معايدتك ليس أكثر. أن تكون قائمة المعجبين بآخر منشوراتك على أحد مواقع التواصل الاجتماعي هم حقا معجبون به وليس تأدية لواجب الود الإلكتروني أو رد الجميل لأنك أعجبت بمنشوراتهم من قبل. أن أكتب مقالا فأحصل على تعليقات أستطيع لمس صدق كلماتها من وراء الشاشات.
ولكن متى يمكن أن يتحقق هذا؟ عندما نُبعد فرضية الواجب عن حياتنا. عندما لا نغضب ممن لم يقل صباح الخير وممن لم يعادنا في أعياد ميلادنا وممن لم يضع لك قلبا على آخر منشوراتك، ويكون السبب وراء كل هذا وببساطة شديدة أنه لم يرغب في فعل هذا من داخله.
فقط تخيل حياتك بعدها... كيف ستصبح مليئة بالمشاعر الحقيقة! كيف ستستطيع تحديد مدى عمق أو سطحية علاقاتك بسهولة! كيف سينتهي شكك المستمر في كل ما حولك!
اجعلها محاولة لإحياء المشاعر في حياتنا من جديد. ففي وقت يذهب فيه العالم كله إلى الحواسيب والأرقام في خدمة العقل؛ كن أنت خادما للمشاعر.
التعليقات