يبقى الطفل دائما النسخة الأفضل من الإنسان؛ لأنه النسخة الأنقى والأكثر براءة وتلقائية. يحيا على سجيته ويتصرف حسب فطرته البدائية التي لم تُمس بعد؛ ولذلك إذا أردنا تفسير أي عائق نفسي قابلناه في الكبر يجب أن نعود إلى الطفل الذي كنا عليه لنرى ماذا حدث له حتى جاء به الحال إلى هنا، وكيف كان سيتصرف لو كان بيننا...
عندما يتعرض الطفل إلى صدمة ما بسبب هائل أو بسيط فإنه يلاقيه بالصراخ الشديد حتى يتعب وينام في مكانه ساعة أو أقل، ثم يقوم من نومه بعدها سعيدا لا مباليا لا يتذكر حتى ما حدث، وعندما يغضب الطفل من أمر حدث على غير هواه؛ يبدأ في الدبدبة على الأرض بلا توقف... حتى أنه يتوقف أحيانا إذا ألمته قدمه للحظات ثم تجده يستكمل الدبدبة حتى يُخرج كل ما في نفسه من غضب محموم، ثم يسكت قليلا وتجده بعدها ممسكا بألعابه ضاحكا وكأن شيئا لم يكن.
سيكولوجية عظيمة متزنة خُلق عليها الإنسان ليحيا بها لا أن يغيرها، ولكن ما يحدث عند الكبر ما هو إلا تأثير لعنة التكيف... يُقال "أنت كبرت ويجب أن تتكيف" أمر قاسِ خرج ولم يعد... تتلقى الصفعة من هنا ولا يجب أن تظهر أن وجهك يؤلمك تحت مجموعة من الضغوطات الاجتماعية غير المتناهية. إذا ظهر ألمك فهذا يعني أنك ضعيف غير ناضج. إذا ظهر ألمك ستسعد من صفعك. إذا ظهر ألمك ستدخل الحزن إلى قلوب محبيك. إذا ظهر ألمك سترى الشماتة في عيون كارهيك. إذا ظهر ألمك سترى الخوف في عيون رعيتك.... وغيرها من الضغوطات التي لا تنتهي حتى تنتهي أنت.
ولذلك لا نرى أطفالا يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو السكري العصبي أو السكتات الدماغية الفجائية، بل تبدأ تلك الأمراض في الظهور بعد مرور فترة على إدراكك للعنة التكيف... بعدما تتوالى عليك الصدمات وموجات الغضب، وتتزايد التراكمات والضغوطات حتى يفيض داخلك بما فيه ويصل إلى حد الانفجار... عندها تستغيث الشرايين والأوردة والجهاز المناعي والقولون بتوسل شديد، وعندها ينصحك الطبيب بأن تهون على نفسك ولا تحملها فوق طاقتها، ويمنع عنك محبوك أي خبر سيء أو صدمة مخافة أن تودي بحياتك، ويسامحك من يكرهك؛ لأنك أصبحت مريضا... وتصبح قائما على قدميك يوما وطريحا في الفراش يومين، ويستمر الوضع إلى أن يسترد الله أمانته...
لا دين ولا عُرف ينهي عن الدبدبة على الأرض أو البكاء كالأطفال، فالحزن لا يتعارض مع الرضا. يمكنك أن ترضى بقضاء الله وأنت حزين على وضع لم تكن تتمنى حدوثه، وهذا قمة الخضوع والإيمان بالله سبحانه وتعالى.
وأخيرا... لا تعارض بين الدبدبة على الأرض والتكيف، فالدبدبة على الأرض هي أولى خطوات التكيف الحقيقي... أن تغضب وتأخذ وقتك في استساغته أولا، ثم تجد وسيلة للتنفيس عن ذلك الغضب ثانيا، ثم تبحث عن طريقة للتأقلم والتكيف مع الوضع الجديد الذي أثار غضبك في البداية، وهذا ثالثا.
وهذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع الحياة بناء على مبدأ أخذ الحكمة من الفطرة السليمة التي خُلقنا عليها؛ فخذوا الحكمة من أطفالكم.
التعليقات