(مش بهزر بس النهاردة في واحد طلب إن صلاة الجمعة تبقى أونرز بس)!
بدأ الأمر بمنشور على الفيسبوك. ربما لم يقصد صاحبه السخرية وربما قصدها، على الأرجح أراد منه نقل خبر الخاصة إلى العامة. أيا كان مقصده فقد وصلت المعلومة وتباينت ردود الأفعال بين السخرية والاندهاش. استنكر البعض واتفق آخرون. جلست بين تصديق وتكذيب أتابع المنشور وقد تداوله الناس على صفحاتهم وشاركوه فأصبح في زمن قياسي منتشرا انتشار النار في الهشيم حتى على نطاق مجموعات الواتساب.
هززت رأسي نافية الفكرة غير مصدقة أن جماعة من الناس قد وصل بها الأمر ليطلبوا الانعزال في الصلاة عن بقية المسلمين. (الأونرز) لمن لا يعرفهم هم ملاك البيوت والشاليهات الفاخرة التي تتجاوز قيمتها ملايين الجنيهات المصرية في الساحل الشمالي المصري فيما أطلق عليه أيضا تندرا لقب (الساحل الشرير). وسر هذه التسمية هو لتمييزهم عن المستأجرين الذين يشاركونهم المكان مؤقتا لبضعة أسابيع فلابد حتما من التفرقة بين مالك المكان الأصلي والزائر العابر. وهم يفضلون استخدام كلمة (أونرز) الإنجليزية على(ملاك) العربية كما لو أن الكلمة العربية تحط من شأنهم أو تقلل من قيمة أملاكهم! زرت هذا الساحل الشرير مرارا ورأيت بذخا وترفا وانسلاخا من كل شيء بعد الملابس. تخطو إلى هذا الجزء من ساحل البحر المتوسط فتجد أن من تمام وجودك ألا تتحدث العربية وأن تلبس أقل القليل من الملابس وأن تكن على دراية بأنواع المشروبات الكحولية وأن تنفق أموالا طائلة وتتبهرج وتختال غرورا. ليس كل من رأيت على هذه الشاكلة حتى لا يلومني أحد أو يتهمونني بالتحامل وأخذ الكل بجريمة البعض. لكن للأسف هذه السمة الغالبة التي ذهبت سكرتها وجاءت فكرتها ليبدأ الناس في استنكارها بعدما كانوا يوما مبهورين بها بل وصل بهم الحال لإطلاق لقب (الشرير) على المكان. هذا هو الحال هناك إن كنت لا تعلم عزيزي القاريء.
لكن أن يأتي مسلم ويتجرأ على طلب فصل المسلمين عن بعضهم البعض في صلاة الجمعة حتى لا يختلط الحابل بالنابل ويضطر المسلم (الأونر) للوقوف صفا بصف مع نظيره المسلم من عمال النظافة ورجل الأمن ورجل الزراعة فهذا والله لشيء عجاب! لولا صلاة الجمعة الأسبوعية ما اضطروا لدخول السمجد وما اضطروا للقاء هؤلاء البشر في موضع المساواة لا موضع الفوقية والأمر والنهي. عزيزي (الأونر المسلم) هل تعلم أن أصل الإسلام أن (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)؟ هل تتذكر يوما في حصة الدين عندما أخبرك المدرس أن المسلمين سواسية أمام الله عز وجل؟ هل تعلم لماذا أنت مسلم وما هو دينك وما هي قيمه وفضائله؟ هل تستنكف أن تقف كتفا بكتف بجوار عامل داخل المسجد وتخرج ليرفع يده لك بالتحية ويهرع ليفتح لك باب سيارتك ويحمل عنك حقائبك؟ هل تجد صعوبة في تقبل جلوسك بجوار رجل الأمن الذي يسهر لتنام قرير العين؟ هل تشعر بعدم الراحة عندما تتلفت يمينا فتجد رجل الزراعة الذي يتفنن في رعاية حديقتك الغناء أو تتلفت يسارا فتجد عامل النظافة الذي يحمل عنك ما فاض منك؟
هذا هو ديننا وهذا هو المراد منه. كلنا سواسية أمام الله في الصلاة الجامعة وفي بيت الله يقف الحجيج صفا لا تفرقهم ألقاب ولا بطاقات هوية. تحمّل عزيزي (الأونر) بضع دقائق من العدل والمساواة إن كنت تؤمن بالله حقا. تواضع فمن تواضع لله رفعه. لا تحقرن من مظهرهم ولا أياديهم الخشنة ولا كعوبهم التي تشققت من السعي والكد من أجل لقمة حلال لا تشوبها شائبة.
(بئس الطعام ما يأكل منه الغني ويحرم منه الفقير) كما جاء في الحديث الشريف فما بالنا بالصلاة؟! هل وصل بنا الحال لنطالب بالفصل فيها بين الغني والفقير؟! أي منطق وأي جرأة للتقدم بطلب كهذا ناهيك عن التفكير فيه من الأساس. أي عنصرية وأي تمييز دفع بنا إلى هذا الحال؟ ألم تعلموا أن (رب عبد أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره)؟! هذه اليد الخشنة يحبها الله ورسوله فمن أنت لتتقزز منها! أي استحقاق ملك عقلك وسيطر على تفكيرك لتعتقد أنك محظي أمام خالقكما ومن ثم لا يليق بكما الاجتماع في بيته؟! هل تعلم عزيزي المستحق رفيع المكانة المزعومة أن (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)؟
تريد مسجدا لا يحوي بين جنباته إلا أنت وجيرانك وصلاة لا يقف في صفوفها إلا (أونرز) ومن على شاكلتهم من أصحاب الملابس الغالية والعطور النفاذة فالحل يسير وهو الاكتفاء الذاتي. امنعوهم من دخول قراكم من أبوابها. لا تستعينوا بهم في عمالة أو زراعة أو أمن. قد سيارتك بنفسك وامنع الطهاة من الاقتراب من باب مطبخك. تخلص من مهملاتك وقمامتك دون اللجوء لأحد. ازرع حديقتك بنفسك وتناوب مع معشر الملاك على حراسة ممتلكاتكم ليلا. انعزلوا عن الآخر الذي لا يعجبكم ولا يرقى لمكانتكم لكن لا تتعجبوا إن وجدتم أنفسكم يوم الحساب تستجدون من هؤلاء شربة ماء. في هذا اليوم سيكونون هم (الأونرز) وملاك النعيم الحقيقيون وحينها سيكون الفصل بينكما مستحقا تماما كلقب (الشرير)!
التعليقات