جاء الصباح وعدت من نومك العميق مع أول صوت لزقزقة العصافير... نوم عميق بلا أدوية مساعدة؛ فالذهن صافٍ والبال رايق... وبأقل صوت استيقظت؛ لأنك نمت مبكرا بالأمس فالليل ليل والنهار نهار.
تسير في الشارع وإذ تجده نظيفا. تتنفس الهواء فتجده منعشا نقيا من أي أتربة. تشعر بارتياح نفسي فالشجر الأخضر يحتضنك من كل جانب حاميا إياك من حرارة الشمس.
تذهب إلى محطة القطار فيأتي في موعده ويصل بك أيضا في موعده، وبين اللحظتين تفتح كتابك الجديد على الصفحة الأولى لترى ما يقول.
تصل إلى عملك الذي تحب فتجد زملاءك في انتظارك في حب وود، فلا وجود لنظرية "عدوك ابن كارك". وتخرج من عملك وأنت في أتم نشاطك وصحتك.
تذهب إلى المقهى القريب لملاقاة أصدقائك، فيبدأ الحديث عن آخر الأخبار العالمية. لقد انتهت الحروب... لا بل جُرمت. لقد عاد كل عصفور إلى عشه، وأما عن العصفور الشريد الذي لم يكن له عش في البداية بسبب غضب الرب عليه لقد عاد شريدا مثلما كان. حل السلام على الأرض من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. وارتقى البحث العلمي لخدمة البشرية، وزاد تقدير العلماء والأدباء والمفكرين.
يتحدث كل صديق عن سعادته بتحقيق حلم قديم، وبدء تخطيطه للحلم التالي بحماس. لا مأساة تستدعي دمعة على الطاولة.
لقد تخلصت النفوس من الأحقاد، وارتقت تاركة حب الذات... ساعية وراء المصلحة العامة... انتهت المكائد والخبائث... ساد الخير والحق والعدل... لا كذب ولا بهتان في الحياة؛ فالكل أصبح صادقا فلا حاجة للتجمل، لأنه لم يعد هناك تنمر... لقد عاد كل شيء إلى أصله...
ولكن هل هذا هو أصله؟ هل هكذا تكون الدنيا؟ فماذا عن الجنة إذا؟ أعلم أنك اجتهدت وتستحق أكثر مما جنيت، تستحق أن تحيا في عالم أفضل؛ ولكن لو حصل كل إنسان على ما يستحق... فكيف سيأتي البلاء؟ كيف ستُكفر عن الذنوب؟ كيف سينقسم الناس إلى ظلمة ومظلومين؟ كيف سيدخل أحدهم الجنة وغيره النار؟
فبدلا من النواح والشكاية وطلب تسهيل مستوى الاختبار رأفة بالحال، استغل هذا الوقت في الاستعداد للاختبار رأفة بنفسك.
فالهلاك في الدنيا دائما لاثنين... الظالم والساذج، مع اختلاف مصير كل منهما في دار الآخرة، ولا ينجو في الدنيا إلى ذاك... من استطاع الموازنة... من يرى الخير في قلب الشر... من ينجي نفسه من المهالك بذكاء بلا اعوجاج عن الطريق المستقيم.
كان ياما كان.
التعليقات