"قتلوها .... قتلوها" قالتها هدى ابنة ونيس في حلقة لا تُنسى من مسلسل طفولتنا وصاحب فضل في تربيتنا "يوميات ونيس"، قالتها هدى وهي عائدة باكية من مدرستها وتتحدث عن قسوة المشهد الذي عاشته، حيث هجم العامل بالفأس على القتيلة ضربا حتى سقطت نصفين، وتم هذا أمام مدرسيها ومديرة المدرسة، ظن والدا هدى في البداية أن القتيلة هي زميلتها وأن ما يتم روايته هو مشهد جريمة في صرح علم؛ فأسرعوا إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن الجريمة، لتتحدث هدى وتخبرهم هناك أن القتيلة شجرة. شعر الوالدان بالإحراج أولا بسبب الموقف؛ لتتابع هدى حديثها بأنها شجرة قديمة ضخمة كانت تعتني بها وتسقيها وتستأنس بظلها، وأنها لا ترى سببا لقتلها؛ فتحول الحرج إلى اقتناع ثم دعم.
فإن لم تكن الشجرة مائلة مهددة لأرواح الناس عند سقوطها، ولا وسيلة لإعادتها لاستقامتها، فما الداعي لذبحها؟
نبات خرج من الأرض بروح مثمرة، فإن لم تكن ثمارها مأكولة، فلها فوائد أخرى.... تأخذ الشجرة ثاني أكسيد الكربون وتمنحنا الأكسجين، تعلق بها الأتربة، وتحجب عنا الرياح الشديدة، وتصنع ظلا رطبا مؤنسا حتى وإن كانت أشعة الشمس عمودية عليها في عملية غير قادر عليها أحدث وسائل التكنولوجيا لتنقية وتبريد الهواء، ومقابل كل هذا المنح لا تمنع شيئا، لا تحرمنا من شيء، ليس لها أي أضرار، فكيف يكون الرد بالذبح؟
تعد الأشجار الضخمة بيئة مناسبة يحيا بها أغلب الطيور المهاجرة، وبدونها سيختل النظام البيئي، فأين ستبني الطيور عشها؟ ماذا سيحدث بعدما سقطت الشجرة أرضا وهاجر سكانها؟
وهذا بالإضافة إلى التأثير الساحر الذي يضفيه اللون الأخضر على الشوارع فيزيدها جمالا ورونقا، كما لها تأثير على النفس، فكم تطيب النفس عندما تسير هائمة في شارع كثرت أشجاره حتى تداخلت! وكم تختنق النفس في هذه الشوارع الصحراوية حيث الشمس الحارقة والرياح والأتربة الصفراء!
ولهذا كله فإن ذبح الأشجار جريمة لا يقتصر تأثيرها على الإنسان فقط، بل يمتد ليشمل كل مكونات الطبيعة.
أتذكر مبادرة قامت بها الحكومة المصرية في عام 2022 تحت شعار "اتحضر للأخضر"، ولاقت نجاحا باهرا حيث تم زراعة أكثر من 10 آلاف شجرة في أول أسبوعين فقط من بدء الحملة.
كانت حملة بيئية تهدف لتطوير المدينة المصرية تحت معايير عالمية حديثة لمواجهة تغيرات المناخ الصعبة التي نعاني منها في هذه الأيام، وكذلك من أجل تحسين المظهر الجمالي.
إلى أن أصبحنا يوما لنجد مذبحة جماعية للأشجار في جميع أرجاء وحنايا مصر، فلم ينجُ منهم إلا القليل.
لا سبب ولا تبرير واضح لما يحدث، ولكن إذا سُرقت منك محفظتك، فمن الطبيعي أن تغضب من السارق لمدة يوم كامل أو حتى عدة أيام، ولكن يجب أن تتقبل الواقع، وتسعى لاقتناء محفظة جديدة.
فإذا كانت شجرتك التي تحبها وتعتني بها أمام منزلك قد سقطت أمامك أرضا قبل أيام، عش حزنك عليها ثم قم واغرس غيرها من أجلك ومن أجل الأجيال القادمة.
اتحضر للأخضر.
التعليقات