في الأوساط العلمية والأكاديمية العربية، يشكل النشر العلمي واحدًا من أهم المحاور لتطوير الهوية الثقافية والعلمية للمجتمع العربي، ولذا فإن مناقشتها ضمن فعاليات مؤتمر معامل التأثير العربي التاسع، المعنون "النشر العلمي وتحديات الذكاء الاصطناعي" والذى نطمته جامعة أبوظبى وكلية ليوا خلال الأسبوع الماضى بحضور لفيف من الأساتذة والخبراء فى مجال البحث العلمى العربى على رأسهم د. عمرو عزت سلامة أمين عام اتحاد الجامعات العربية ود. محمود عبد العاطى مدير معامل التأثير العربى.
ويعتبر هذا المؤتمر منبرًا حيويًا لتبادل الأفكار والخبرات بين الباحثين والمهتمين بمجال البحث العلمي في العالم العربي، ويتناول مجموعة من المحاور المهمة التي تتعلق بتأثير البحث العلمي باللغة العربية على الهوية العربية، وتأثيره في اقتصاديات الدول العربية، واستخدامات الذكاء الاصطناعي في البحوث العلمية وتأثيراته المترتبة.
فيما يخص تأثير البحث العلمي باللغة العربية على الهوية العربية، سلط المؤتمر الضوء على دور البحث العلمي في بناء وتعزيز الهوية والتراث العربي، وتعزيز الانتماء الثقافي للأفراد والمجتمعات في العالم العربي. كما يتناول التأثير الاقتصادي للبحث العلمي، حيث أوصى المؤتمر بأهمية الربط بين البحث العلمي و القطاعات الاقتصادية الرئيسية في الدول العربية من أجل الاستفادة من هذه البحوث مما يرفع من أهميتها.
واستوقفتنى كثيرا هذه الجزئية فى أن التطور الذى يشهده العالم حاليا مبنى على البحوث العلمية ، ولعل تجربة أستونيا فى هذا المجال خير دليل، حيث قامت إستونيا بتحويل اقتصادها من الاعتماد على القطاع الزراعي إلى اقتصاد معرفي ورقمي، واعتمدت إستونيا استراتيجية شاملة لتطوير البنية التحتية التكنولوجية وتعزيز الابتكار والريادة الرقمية وقامت بتعزيز التعاون والتنسيق بين الحكومة والشركات والجامعات، لتعزيز البحث العلمي وتطبيقاته فى تشجيع ريادة الاعمال والإبتكار مما جعلها نموذجاً يُحتذى به في مجال الاعتماد على البحث العلمي والابتكار لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي وتأثيراته في المجال البحثي، تناول المؤتمر الاستخدامات المتنوعة للذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات البحث العلمي وتسهيل استكشاف المعرفة وتوجيه الأبحاث نحو مجالات الاهتمام الرئيسية، ومع التطور الكبير فى هذا المجال أشارت النقاشات فى جلسات المؤتمر إلى أهمية العنصر البشرى وقدراته على الابتكار والابداع، وإمكانية تطويع التكنولوجيا فى خدمة الفكر البشرى.
ومن وجهة نظرى أرى أن الرؤية البحثية العربية لابد أن تفرض ذاتها على المجتمع العالمى مع استمرارية النشر باللغة العربية فى مختلف المجالات، حيث ان عنصر اللغة لم يعد إشكالية فى ظل التطور الهائل للتكنولوجيا وإمكانية الاعتماد على أدوات الذكاء الإصطناعى فى الترجمة من العربية للغات الأخرى، لابد من تطوير قدراتنا البحثية لأننا نمتلك الإبداع والعلم من وجهة نظر مختلفة لا تقل عن مثيلاتها فى مختلف المدارس البحثية الأجنبية، ولدينا نماذج بحثية عربية كثيرة فرضت نفسها وحصلت على أرقى وأكبر الجوائز ولدينا المزيد.
باختصار، يعتبر مؤتمر معامل التأثير العربي التاسع فرصة حيوية لتبادل الخبرات والمعرفة حول تحديات النشر العلمي وتأثيراته في العالم العربي أملا فى مزيد من الاهتمام بالبحث العلمى العربى وضرورة ربطه بالقطاع الحكومى والخاص وتسخير هذا التعاون من أجل تطور مستنير للمجتمعات العربية.
د . محمد رشاد
أستاذ مساعد الإعلام بكلية ليوا
التعليقات