تغيرت مفاهيم الإعلام في السنوات الأخيرة بعدما أصبحت وسائل الإعلام التقليدية تبحث عن تقديم محتوى يمكن تقديمه بشكل جاذب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. ولعل المثال الأبرز على ذلك هو البرامج الحوارية التليفزيونية خلال المواسم الرمضانية الأخيرة.
اعتمدت البرامج الحوارية التليفزيونية مع الفنانين والإعلاميين خلال الفترة الأخيرة على نشر الفضائح الخاصة لضيوف هذه البرامج من خلال التطرق إلى أمور شخصية جدًا في حياتهم ولا تفيد سوى في إثارة الجدل وإشعال "التريند" من خلال تقطيع فقرات هذه البرامج وانتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي. وبالتالي اعتمدت هذه البرامج على ضيوف لهم مشاكل سواء شخصية أو مع آخرين من أجل إشعال الأجواء لمشكلات قديمة أو دائرة حاليًا.
والغريب هو أن أغلب هذه البرامج معدة مسبقًا، وهو ما يعني أن الضيف يعي تمامًا ما الأسئلة التي سيتم توجيهها إليه خلال تصوير الحلقة، لتتحول هذه البرامج إلى حالة أشبه "بالتراشق اللفظي" وإثارة الجدل. ويعد ذلك أحد أشكال متاجرة المشاهير بأسمائهم وشعبيتهم الكبيرة لدى الجمهور نظير مكسب مالي إضافي من خلال الظهور في هذه البرامج التي تقدم عائدًا ماديًا كبيرًا لهم ولكنها في الوقت ذاته تدمر صورتهم أمام الجمهور.
الأغرب في تناول هذا الموضوع هو رد الفعل المجتمعي تجاه محتوى هذه البرامج من خلال إثارة فضولهم لمتابعتها، وهو يساعد على التراشق بين محبي هؤلاء النجوم، وتحويل برامج التسلية إلى سجال بين الأفراد أيضًا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وخلال السنوات الأخيرة، وجهت هذه البرامج ضربة قاسية لأخلاقيات المهنة فيما تقدمه من صراعات بين شخصيات محبوبة لدى الجمهور، وأصبحت تتفنن في إثارة الجدل بدلاً من تقديم هؤلاء النجوم في صورة جيدة، وتقدم الترفيه للأفراد بشكل محترم وهادف.
وربما يصب ذلك في مصلحة المعلنين ومقدمي تلك البرامج في تحقيق نسبة مشاهدة مرتفعة، حتى ولو من خلال مواقع التواصل وليس بثها الرئيسي من خلال التليفزيون الذي فقد بريقه نتيجة اعتماد الأفراد على التطبيقات في متابعة أغلب المحتويات الترفيهية.
وبالتالي، لابد من إعادة النظر في محتوى البرامج التليفزيونية وخاصة التي يتم عرضها خلال الموسم الرمضاني من الفضائيات العربية، والتركيز على الجوانب الإيجابية في حياة الضيوف وعرضها بدلاً من إظهار كل ما هو قبيح. فعملية الإدراك لدى الجمهور تتأثر بما يتابعه من محتويات من خلال وسائل الإعلام، وبالتالي التراكم المستمر في متابعة هذه البرامج التي تعرض الجوانب الحياتية بهذه الصورة سوف تلقي بظلالها من خلال الاعتياد على التعامل بمثل هذه الطرق وتقليدها في الواقع. وعلى الجهات المعنية بتنظيم الإعلام في الدول العربية أن تقوم برصد محتويات هذه البرامج بالإضافة إلى برامج "المقالب" التي تشجع على العنف ومحاولة الحد منها.
مرة أخرى.. المحتويات الإعلامية التي تهدف إلى تسلية الجمهور يجب استغلالها بشكل مفيد، ويسعى إلى تحسين سلوكيات الأفراد وليس تشتيت ذهنهم في صراعات وسجالات دون جدوى. وعملية اقتران التسلية بمضمون هادف في وسائل الإعلام هي أحد أهم الوسائل في بناء مجتمع صحي يقوم على أسس سليمة ويزيد من الترابط بين أفراده.
التعليقات