المقاطعة أسلوب تهذيب أثبت فعاليته في أول تجربة حقيقية لتنفيذه؛ لأن المقاطعة هذه المرة ليست بالإجبار، بل نابعة عن رغبة حقيقية في التهذيب والانتقام.
بدأت المقاطعة في فرض نفوذها منذ عدة شهور وتزداد قوة بزيادة تابعيها يوما بعد يوم، ولكن إلى متى ستستمر؟
كانت الخطوة الأصعب في التجربة بالكامل هي إيجاد منتجات محلية بديلة لقائمة المحذورات (منتجات داعمة للاحتلال الإسرائيلي)؛ لأن الأمر لم يقتصر على المنتجات الغذائية فقط، بل شمل أغلب احتياجاتنا في الحياة من منتجات عناية بالبشرة والشعر وأدوية ومستلزمات صحية وغيرهم، وهذا إلى جانب أشهر المشروبات اليومية لدى العرب من شاي وقهوة بأنواعها، بجانب أشهر المطاعم والمقاهي التي كنا نرتاد عليها بصفة دورية وارتبطت بها أغلب تفاصيل حياتنا، كم كنا استهلاكيين مفيدين للعدو! نعم؛ فلم ننم ليلة واستيقظنا؛ لنكتشف اليوم عدونا حتى نقاطعه، فهذا عدونا منذ ظهوره على الأرض من عدة سنوات كالنبتة الخبيثة، وإلى يوم نهايته بلا رجعة.
لنصطدم بواقع أصعب، وهو أن أغلب المنتجات المحلية غير مؤهلة للمنافسة، فكيف نأخذها بديلا عما اعتدنا عليه؟ ولم يقف الأمر عند سوء المنتج بل وصل إلى جشع أصحاب الشركات والمصانع والتجار.
أصبحت تدخل محلا تجاريا لشراء زجاجة مياه غازية لمواكبة مهامك في هذه الأيام الحارة، فتجد منتجك المفضل المحروم منه بسبب المقاطعة أمامك بعشرة جنيهات، والمنتج الرديء الذي تذهب يدك له لا لشيء سوى أنه المتاح؛ فتجده بعشرين جنيها، فما هذا الاختبار الصعب الذي أصبح مقررا علينا مواجهته كل يوم؟ فالنفس البشرية تضعف، والحماس يفتر فإن لم يكن بالأمس فسيكون غدا.
فأصبح إيجاد حل نهائي لهذه الأزمة أمر لا يحتمل أي تأخير، حرصا منا ومنكم على استمرار المقاطعة.
ولنكون أكثر واقعية فالحرب لها يوم ستنتهي فيه، والمقاطعة ستنتهي، وستحدث هجمة عنيفة على منتجات المقاطعة الحالية؛ ستعوض بلا مبالغة كل خسائرها طوال هذه الفترة، وستندثر كل المنتجات المحلية الموجودة حاليا، ولن تكون لها فرصة ثانية؛ لأن الدنيا لا تعطي مثل هذه الفرصة المقدمة على طبق من فضة أكثر من مرة.
فرب ضارة نافعة، ودعونا نقول أن كل ما حدث ما هو إلا صفعة ربانية لتنبيه العرب إلى ماهية مأساتهم الحقيقية، فلنا الفرصة في التغيير وهي بيد أصحاب الشركات والمصانع وكذلك التجار، فتحسين المنتج المحلي أصبح ضرورة قومية ستسمح لهم باكتساح السوق المحلي حتى بعد انتهاء الحرب، وكذلك تثبيت السعر بما هو يتوافق مع طبيعة المجتمع وقدراته المادية، فقبل المقاطعة كنا نقول على المنتج صاحب العشرة جنيهات غاليا.
ستنتهي الحرب عاجلا أم آجلا، ولكن استمرار المقاطعة أمر نسبي يتوقف على وصول المنتج المحلي جودة وسعرا إلى مجال المنافسة مع المنتج الغربي وليس بالضرورة الفوز عليه، بل يكفي أن يكون قادرا على المنافسة.
التعليقات