حنا الفاخوري أديب ولغوي عربي ومؤرخ لبناني ولد سنة 1914 في زحلة، وكان ذووه قد نزحوا إليها من قرية مجدلون قرب بعلبك في أوائل الحرب العالمية الأولى. تلقى دروسه الابتدائية في زحلة وفي حوش حالا بريّاق. سنة 1927 انتقل إلى القدس حيث أنهى دروسه المتوسطة والثانوية، وسنة 1936، وبعدما أنهى الدراسة الفلسفية، انضم إلى جمعية المرسلين البولسيين وانتقل إلى حريصا. وكلّف بالتدريس في الإكليريكية التي أنشأتها الجمعية البولسية إذ ذاك، وبدأ منذ تلك الفترة نشاطه الثقافي، فكان يتابع دراسته اللاهوتية، وفي الوقت عينه يدرّس ويضع الكتب المدرسية وغيرها من الكتب الأدبية.
وقد تعرف الأب حنا الفاخوري إلى أمير الشعراء أحمد شوقي، وقال عنه: شوقي شاعر عبقري فذ، أوتي من المواهب الشعرية ما لا يقل عن أكابر الشعراء العالميين، إلا أنه هدر قسمًا من مواهبه بتقييد حريته. وأجلى مظاهر عبقريته هو ذلك الخيال المجنح الطليق، وتلك الصور المبتكرة الرائعة، بل تلك الوثبات الجبارة في جو سامٍ تنطلق منه أحيانا اللمحات السريعة الخاطفة، في عبارة أو كلمة تسوق موكبًا ينتصب أمام العين في حركة زاخرة بالحياة.
إلا أن شوقي لم يحسن تهذيب عبقريته، ولم يدعمها بثقافة عميقة، فكان له سقطات فاضحة في اللغة والذوق الشعري.
فهو شاعر يسمو إلى حيث لا يُجارى إذا أُلهم في ما يملأ عبقريته، ويُسف حتى لا يكاد يُدانى إذا انحطَّ الموضوع عن مستوى شاعريته، وهو إن لم يكن شاعرًا عالميًّا، فإنه شاعر الشرق، وإنه مجدد ومن أعظم أركان النهضة الشعرية التي وجهت الشعر العربي نحو القيم الخالدة.
غير أنه كان شخصية حائرة متقلقلة لاختلاف عواملها من مؤهلات شعرية، وتثقف بآداب مختلفة، وتقلُّب في حوادث سياسية خطيرة. كل هذا إلى عناصر أصله المتشعبة. فهو شاعر التقليد، وهو بين القديم والجديد، وهو صاحب التجديد، وهو شاعر العزيز (1891 – 1915)، وشاع المنفى (1915 – 1919) وأمير الشعراء (1919 – 1932).
وقد اجتمعت عوامل مختلفة على خلق تلك الشخصية الغريبة، فانسجمتْ حينًا وتنافرت أحيانًا، فبدت نفسية شوقي من خلالها، مضطربة حائرة في أغلب نواحيها، قلما توحد نزعاتها وجهة مسيطرة.
فالثقافة الواسعة التي تثقَّف بها شوقي، والسياحات الطويلة التي وسعت معارفه الاجتماعية، والأحوال السياسية التي تقلَّب فيها، ومواهبه الشعرية وطموحه إلى مجاراة كل ما نظمه الشعراء، قدماؤهم ومحدثوهم، ثم ميله إلى الزلفى، كل ذلك جعل من الرجل شخصية مزدوجة معقدة تتأرجح حائرة في سبل الأدب وتضطرب حائرة في سبل السياسة.
وقلما توفر لشاعر عربي مثل ما توفر لشوقي من سهولة النظم وخصب الإنتاج، في الشعر والنثر. غير أنه لم تقم شهرة شوقي الواسعة على شيء من نثره، فهو في أغلبه مسجع ظاهر الصنعة، هزيل المادة والفن الأدبي، وإنما قامت على منتجاته الشعرية الكثيرة.
ويرى فاخوري أن شاعرية شوقي تأثرت بمختلف أطوار حياته، وبالأحداث التي لاقاها في كل تلك الأطوار. فإذا ما نحن تتبعنا الشاعر من البلاط إلى المنفى، ومن المنفى إلى الوفاة، رأينا بين هذه الأطوار خطوطًا بينة تفرقها بعضها عن بعض، ورأينا أن هذه الأطوار الثلاثة تناسب على العموم مراحل ثلاثا في شاعرية شوقي: مرحلة التقليد، ومرحلة الانتقال من القديم إلى الجديد، ومرحلة التجديد.
وفي مرحلة التقليد كتب في المدح والرثاء والغزل والفخر والخمرة. وفي مرحلة ما بين القديم والجديد، كتب في الوصف، وفي الموضوعات الحديثة، وفي الطبيعة، وفي مرحلة التجديد كتب في الدين والسياسة والاجتماع والمسرح.
يذكر أن للأب حنا فاخوري أكثـر من مئـة كـتاب في اللغة والأصول والإنشاء والأدب والفلسفـة والدين، واشتـهر بكتابه "تاريـخ الأدب العربي" الذي ظهرت الطبعة الأولى منه سنـة 1951 وأصبـح مقرونـًا باسمه في كل أنحـاء العالم العربـي، وترجمـه إلى اللغة الفارسية سنة 1958 وإلى اللغة الروسية سنة 1959. وفي سنة 1958 كتب «تاريخ الفلسفة العربية» وقد ترجم أيضاً إلى اللغة الفارسية.
وضع سلاسل مدرسية عديدة حول الأدب واللغة، كما حقق في الكثير من مؤلفات التراث شارحاً معلّقاً.
التعليقات