التضحية والفدائية سلوك جميل وليس بغريب على الشعب المصري، فنحن كنا ولا زلنا لا نقبل على غيرنا ما لا نقبله على أنفسنا، فعندما تمردنا وغيرنا واقعنا المرير في ثورة 1952، ساندت مصر كل من آوى إليها أخا كان أو عدوا، اعتادت مصر على مساندة الضعيف بلا خوف أو تردد، لبت مصر مطالب كثير من الدول الشقيقة لنصرتها في ثوراتها من أجل الحرية، ولم يبخل عنهم حينها أحد من الحاكم جمال عبدالناصر إلى الشعب المصري بأكمله.
نكره الاحتلال ونعشق الحرية، ولكن لكل مقام مقال، فلا تُحل كل العقد بالطريقة نفسها، فعندما يتعرض الجيش إلى هجوم مهلك يتسارع الجنود لحماية قائدهم حتى وإن كلفهم حياتهم، لأنهم يدركون أن لا نجاة لهم بدونه، ولا انتصار في حرب بلا قائد، فالروح عند الله واحدة، ولكن في الحرب هناك وجود أهم من وجود، وحياة أهم من حياة، فإذا كانت حياة الجندي تذهب به وحده، فحياة القائد تذهب بعشرات الأرواح المتشبثة به، فكيف أصبحت الحرب حلكم الأول والوحيد؟!
عندما تفادى عبدالناصر الحرب يوما ما؛ وصفه معارضوه بالانهزامية، وقال عنه عاشقوه أنه محب للسلام، ولكن الصفة واحدة وإن تغيرت مسمياتها وهي أنه كان لا يفضل الحرب على الرغم من كونه رجل عسكري، وهذا لا يُعد نفاقا بل على العكس فإن المسئولية الوطنية التي تحملها تجاه شعبه أوجبت عليه حماية شبابه وجيشه، وإن كان من الحرب مفر واختارها لكان آثما.
فالحرب أبشع ما يمكن أن يمر على أمة، وحبها هو أبشع ما يُصاب به القلوب من ابتلاءات، فالحرب خراب ودمار على جميع الأطراف، فلا أحد يخرج من حرب مثلما دخل، منتصرا كان أو مهزوما فهو بالتأكيد خسر من أهله وذويه وسلامه النفسي ما يكفيه ليشقى ما تبقى من حياته.
فبقلوب أرهقتها مشاهد القسوة والعنف في حرب الإبادة الجماعية في فلسطين، وبقلوب منفطرة من حالة الذعر والخوف التي يحيا بها أشقاؤنا في غزة، نجاكم الله وساندكم برحمته، فنحن وكل من يؤمن بالسلام على هذه الأرض لن نهدأ ولن تعود حياتنا إلى نصابها إلا بانتهاء حربكم وبحقن دمائكم وبسكينة قلوبكم.
التعليقات