تعتبر الثقافة جزءًا حيويًا من حياة الفرد والمجتمع، حيث تمثل القيم والعادات والتقاليد والمعرفة التي يتبناها الأفراد والمجتمعات، ومن المهم جدًا تفهم الثقافة وتقديرها، لما لها من دور كبير في توجيه السلوك البشري وتطور المجتمعات، ولم تتمكن الثقافات الشعبية المميزة للدول ذات الموروث الثقافي العريق مقاومة محاولات اختراق أو استبدال لتلك الثقافات الأصيلة بأخرى فارغة وتافهة لا معنى لها، وهذا الاستبدال في أغلبه يكون استبدالا عمديا وليس من قبيل المصادفة أو التطور الحياتي المعاش؛ ومن ثم فإننا هنا نتحدث عن "صناعة ثقافة التفاهة وتفاهة الثقافة".
فصناعة ثقافة التفاهة هي عملية ترويج مستمر للأفكار والعوامل التي لا تضيف قيمة حقيقية إلى الفرد أو المجتمع؛ بل تُستخدم هذه الصناعة غالبًا لأغراض تجارية أو تسويقية، حيث يتم توجيه جهود كبيرة نحو إنشاء محتوى ثقافي يجذب الجماهير ويحقق أرباحًا طائلة لصانعيها، وبرامج (التيك شو) و(وسائل التواصل الاجتماعي) بكافة منصاتها خير شاهد على هذا الأمر؛ والتي في معظمها لا طائل من ورائها للمشاهد أو تضيف شيئا نافعا في الرصيد الثقافي للمجتمع.
لكن وجودها وبكثرة وتنوع فبلا شك أدى إلى نشر ثقافة التفاهة لدى رواد مواقع التواصل أو مشاهدي العديد من القنوات الفضائية، وبخاصة أن غالبية رواد هذه المنصات من الشباب والمراهقين الذين ليس لهم حائط صد لتلك الهجمات الثقافية، بل إنه يمكن القول بأن ثقافتهم مقتبسة من مواقع التواصل الاجتماعي في معظمها، فنتج عن هذا الأمر بأن أصبح شبابنا اليوم -في الأغلب- ذا ثقافة سطحية تافهة يختلط فيها الغث بالثمين.
وأخذت هذه الثقافة تنتشر في أوساطها الشبابية حتى أصبحت تفاهة الثقافة هي النتيجة المترتبة على صناعة ثقافة التفاهة.
إنها تظهر عندما تأخذ هذه الأفكار التافهة مكانًا بارزًا في حياة الأفراد والمجتمعات، حيث يمكن أن تشغل الوقت والجهد دون أن تحقق أهدافًا تنموية أو تثقيفية يستفيد منها المجتمع، فبالتأكيد أن شيوع تفاهة الثقافة سيؤدي إلى تدهور مستوى التعليم والوعي في المجتمع وتشجيع التفكير السطحي، ناهيك عن تآكل الثقافات الأصيلة والنافعة للمجتمع ومن ثم تدهور المجتمع وانحلاله على المدى القريب.
ومن أكثر الاثار السلبية المتواجدة بسبب شيوع ثقافة التفاهة:
- تقليل مستوى التوعية: عندما تكون الأفكار التافهة والمحتوى السطحي هي الأكثر انتشارًا، يمكن أن يقلل ذلك من مستوى التوعية والمعرفة لدى الناس؛ فعند انشغالهم بمحتوى تافه، قد يتجاهلون المعلومات والقضايا الأكثر أهمية.
- تشجيع التفكير السطحي: تحث تفاهة الثقافة على التفكير السطحي وعدم الاهتمام بالقضايا العميقة والمعقدة، ويمكن أن تؤدي هذه الاتجاهات إلى فقدان القدرة على التفكير النقدي والتحليلي.
- الضغط على القيم الإيجابية في المجتمع: ففي الكثير من الأحيان تفاهة الثقافة يمكن أن تؤدي إلى نقض القيم والأخلاقيات الأساسية، وغالباً ما تكون الأفلام والبرامج التي تحتوي على مشاهد عنيفة أو جنسية دون هدف هي البديل عن القيم الاجتماعية السوية.
لذا وجب علينا جميعا أن نعمل بشكل فردي أو جماعي على مواجهة حركة تصنيع الثقافة التافهة – وإن كان الجانب الأكبر يقع على كاهل الدول والمؤسسات الكبرى- لما لها من ثقل وقدرة على الانتشار في المجتمعات بشكل أكبر من الافراد؛ حتى وإن كان هؤلاء الأفراد من المثقفين أو الكتاب والمبدعين.
وتكمن المساهمة في تغيير هذه الأوضاع في العمل على دعم وتشجيع المحتوى الثقافي الذي يساهم في تثقيف وتوعية الناس، أيضا الترويج للقيم والأخلاقيات الإيجابية من خلال وسائل الإعلام، وحسن الاستخدام لمنصات التواصل الاجتماعي، وتشجيع أصحاب الأفكار الهادفة أو المحتوى المفيد والثقافي من خلال تحفيزهم، أو تكوين كوادر شبابية إبداعية قادرة على تقديم محتوى متميز يكون بديلا عن الكثير من المحتويات الغير هادفة، وهذا يتطلب منا ضرورة تشجيع وتنمية النقاش الجاد والتفكير النقدي في نفوس شبابنا وبخاصة حول محتوى الثقافة وتوجيه الاهتمام حول الأشياء تصب في صالح الفرد والمجتمع وبما يحافظ على ثقافتنا ويثريها ومواجهة كل من يحاول أن يقلل من قيمتها أو يسعى لهدمها.
التعليقات