قلبي أنا معلق هنا، مع شفرة سكين الجزار وهي ترتفع في الهواء، تدور وتتمايل مع ضحكات من حولي، تسقط على المسَّن، تصنع احتكاكاتها أزيزاً في نخاعي.
- صلي على النبي.
لن تصدق ما شاهدت فقد كنا في أيام عيد.
"العجل وقع"
وأنا صغير جاءوا به – أبي – مربوطاً من الخلف يديه وقدميه، لم تتحرك شفتاه عندما دخلت عيوني فيه، برغم أنني كنت صغيراً إلا أنَّني سمعتُ صرخات الأعماق براكين فوارة.. كيف تخرج آهاته أمامي أنا!! وكلماته في أذني "تحمل وكن رجلاً يا ولدي".. هكذا قال الكتاب المطهر، مزَّق أحدهم صفحاته ألقاها وهو يبصق على رأس أبي، رأيت حبات عرق حمراء نافرة على جبينه، بالونه ضخمة ملآنة بدماء تغلي وتفور.
"العجل وقع"
لمع النَّصل أمام عيني، قلبي معلق بالعنق.. آه من ذلك العنق، جذعي ويداي كانتا تنشبان فيه، أضحك من أعماقي وأنا أتمايل كأنِّي أركب جملاً، كان هو - نفس العنق- يدور بي، يضاحكني، فنحن في أيام عيد.
"يا عفريت جرحت رقبتي"
العيون كلها ساهمة، مدققة في الرقبة فالعجل وقع وانتظار لحظات خلاصه تخدر الأجساد، الكل ينتظر لحظة أن "يَنْدَّب" السكين في العنق- عنق العجل- حتى تنطلق نافورة الدماء.
- صلي على النبي يا جدع انت وهوه.
أعطى ظهره للعجل واثقاً أنه مربوط، رفع كلتا يديه، نصف رفعة، كأنه يستعرض عضلاته، السكاكين في يديه، دار حول نفسه دورات، وهو يدور كانت السكاكين تدور حول رقبة العجل ولا تلمسه، فقط تدور مع دورانه هو، يداعب الرقبة قبل لحظات النشوة الأخيرة، لا يرضى حتى ترتفع الأكف بالتصفيق، يتكئ على قدميه تحت الرَّقبة مباشرة، يهز صدره، كأنَّه يداعب العجل، انتظمتْ التصفيقات حتى صارت إيقاعات، حركات قدميه قفزات حول العجل من الرقبة للمؤخرة، مع وقع التصفيقات، يطوف حول العجل.
- زيد النبي صلاة يا جدع.
تسمرتْ قدماي في الأرض، ماتت، جسدي لم يعد ملكي، بين الغيبوبة واليقظة رأيت السكين يشق جلد الرقبة في دائرة كاملة، نعم، أمسكا الجلد ورفعاه، بانت العروق وعضلات الرقبة، كأني في كابوس.. الرقبة ممزقة، ملتصقة، منفصلة، بدأت السكين تقطع خيوط الرقبة خيطا، خيطا، الرقبة تنتفض ولا صوت، تبتسم لي، فنحن في أيام عيد.
زاد التصفيق وعلت الصلوات على النبي، احمر وجهه، توقف عن الرقص، عيناه تحدقان في نقطة واحدة، في مكان يعرفه سدد النصل.
"العجل وقع"
هياج أصاب الجميع وفرحة، لم أستطع الحركة فالأجساد خلفي متلاحمة، اهتزازها وضحكاتها زادت من منعي لاختراقها، حركات الجسد عنيفة، كادت أن تلقي الرَّجل على الأرض، حلاوة الرُّوح، انكفأت الرَّقبة على الصَّدر، نافورة الدِّماء اخترقت المسافة، غطتْ رأسي، لم تسقط قطرة واحدة على الأرض، كلها على رأسي، انتفاضات الجسد الأخيرة تيار كهربائي عال، التصق بجسدي فجأة، رعشات الجسد رقصات مقدسة من نوع خاص، كلمات سحرية لم يفهمها غيري ولم أدركها سوي تلك المَرَّة، خرجتْ تلك الكلمات لي وحدي، تعلمتُ تلك اللغة فجأة في أيام العيد، شَقَّ الجلد من الرَّقبة للعورة، ظل يعمل بالشَّفرة بين الجلد واللحم "يكحت" يستخرج الجلد بمفرده، الجلد صورة مطابقة للجسم تماماً، الأحشاء استخرجها قطعة قطعة، بهدوء أمسك القلب، أشار لي، حركات رأسي ترتفع وتنخفض بلا وعي، أصابني غثيان و دوار، كاد يغمي عليّ، أفرغ الأحشاء تماماً، علت التصفيقات... الكل يهلل ويصفق، أخذ الرأس، لفَّها في الهواء لفات، علقها أمام الجميع وما تزال الابتسامة مرسومة على شفتيها.
التعليقات