للزمن يتم تسجيل العمر الافتراضي فيها لقلبك، فإن كان متوهجاً تلاشت منك أعراض تلك الأعوام، لتؤمن بأن تلك الأعمار ما هي إلا أرقام يحددها الآخرون لنا، وأن هناك أرقاماً يحددها القلب بإيعاز منك، فاحرص دائماً على عدم رفع سقفها الرقمي. فبعد خوض كل تلك التجارب التي امتزجت بالانتصارات والإخفاقات، وجدنا أننا لم نكن مُجبرين على ممارسة تلك الطقوس الحياتية التي أُقحمنا مُرغمين بدواماتها اللامتناهية لننغمس بصخبها مُتجرعين كؤوس آلامها المُرة، متسائلين باستغراب ألم يحن الوقت بعد لتحطيم كل تلك الكؤوس!!!
واستبدالها بقوارير نرتشف من مبسمها عذب المذاق والشهد المـُصفى، لنتلذذ بلحظاتها ونستشعر جمالياتها الأبدية، لكون القلوب لا تشيخ والأرواح لا تهرم، وان بدت علاماتها على أجسادنا فلن تطول أعماقنا المُحبة للحياة كزهرة تزهو ببساتينها الفسيحة وتتباهى بأغصانها المثمرة.
فلا يثبطك رقم، أو يرعبك افتراس الشعيرات البيض لمرآتك التي لم تحتفظ بشبابك كما يفعل ألبوم الصور، ولا تتوجس من قطار العمر فهو لن يفوتك ما دمت تقف منتظراً له على أرصفة المحطات كخيول جامحة لا تُقيدها مسارات، يمضي ناسياً مكابحه، دون ان يكترث لتلك الأرصفة المكتنزة بمواويل الحزن وآهات الغرباء، لتحجز مقعداً أمامياً بقرب نافذة الأمل وتشاهد ومضات العمر الجميل وانت مغمض العينين بكل طمأنينة، دون امتعاض لقطرات المطر التي تكدست لتحرمك متعة النظر من خلالها، أو تُفزعك فكرة الارتطام أو حتى يزعجك ضجيج الركاب، سكينة لا تنشغل فيها بضياع حقائبك ومستوى الخدمات التي لم توفر لك، فلقد أرهقك الترحال وتآكلت تفاصيلك بحثاً عن موطنك، فكل ما يعنيك الآن هو لقاء محبوبتك الشقية، التي مع مرور الوقت تزداد اشتياقاً للجلوس بقربها والاستمتاع بهمسات أحاديثها، ها هي تقترب بثوبها الأبيض الفضفاض تقطع الممرات فتنكسر الرقاب لهيبتها، لتختارني أنا وتمنحني شرف رفقتها الدائمة، إلى أن تصيح الصافرة معلنة مغادرتها لمحطة الوصول برصيف النهايات.
إنها اللحظة، نعم هي معشوقتي التي أنوي أن لا أفارقها، وبت أدرك وأستشعر جمالها لذا سأعيش سائحاً بين القطارات بحثاً عنها، فإن كان ليس بأيدينا ان نعيش طويلاً فإننا نملك أن نعيش كثيراً بامتلاكها، فيوماً ما سننظر للخلف وسنشعر بالفخر لأننا لم نستسلم لبلوغ مرحلة عيش اللحظات التي لا تعادلها حياة.
التعليقات