بالفطرة التي خُلقنا عليها نحب الامتلاك؛ امتلاك المال، امتلاك السلطة، امتلاك العقارات؛ ولذلك أُمرنا بالزهد ومكابحة مطالب النفس الخارجة عن المتاع التي حللها الله لنا.
كان الأمر في البداية أن هناك شخصا يملك أرضا وشخصا لا يملك، وعند اكتشاف الزراعة وجد المالك مهن تطلبها الأرض لكي تنتج لا يرغب في فعلها فبدأ يطلب ممن لا يملك أرضا بأن يؤديها بمقابل صغير، ثم طمع المالك لدرجة أنه يريد من يؤدي تلك الوظائف بدون أي مقابل فبدأت فكرة العبودية وامتلاك أفراد للعمل في التسلل إلى العقول.
كان لنشأة العبودية في العديد من الحضارات والثقافات أسباب ومواقف مختلفة، فهناك من كان يبيعهم أهلهم بمقابل مادي، وهناك ما حدث في الجزيرة العربية قبل مجيء سيدنا محمد (ص) حيث أوقات الحروب وأخذ العبيد كأسرى وسبايا من القبيلة المهزومة، وهناك أديان أحلت العبودية كالديانة اليهودية التي وضعت شروطا وقوانين للتعامل مع العبيد مع تفرقة واضحة بين العبيد العبرانيين وغير العبرانيين، وغيرها من الديانات المؤمنة بعودة الروح حيث بررت عبودية الأطفال بأنها أرواح ارتكبت جرائم في حياتها السابقة.
ولم تكن معاناة العبيد موحدة في الحضارات المختلفة؛ بل كانت متفاوتة باختلاف احتياجات كل دولة، ففي الحضارة السومرية كانوا يأخذون العبيد من السومريين أيضا ولكن بتبرير أن آلهتهم نصروهم على شعب أدنى فكان هناك تصنيف طبقي يبيح لطبقة من الناس أسر طبقة أخرى أقل منها، وهناك الدولة العثمانية والذي عانى فيها العبيد أكثر من أي حضارة أخرى حيث كانوا يحرمون الرجال من أبسط حقوقهم كالزواج، فأما عن اليونان القديمة كان الأمر مثيرا للبحث والتفكير فكانت للعبيد حقوق مثلما كان حولهم حدود. " فليس لهم لا قوة ولا وضع اجتماعي في حين كان لهم الحق في الزواج وتكوين عائلة وامتلاك ملكيات خاصة بإذن وإرادة السيد."
مر العالم بالعديد من ثورات العبيد أشهرها في العالم الإسلامي هي ثورة الزنج في العصر العباسي في القرن التاسع وغيرها الكثير، والتي استمرت إلى عام ١٩٠٦؛ حيث عقدت عصبة الأمم مؤتمر العبودية الدولي والذي انتهى به وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان تجارة العبيد والعبودية بشتى أنواعها حيث انتهاء ملكية فرد لفرد آخر بعقد رسمي.
ومع مرور السنوات استطاع العديد من رجال السياسة والقانون إيجاد صور للعبودية في وقتنا الحالي كالدكتور مونتي داتا أستاذ العلوم السياسية في جامعة ريتشموند في الولايات المتحدة الأمريكية والناشط المناهض ضد العبودية والذي صرح بأن هناك عدة صور للعبودية الآن بغير عقد حيث قال:" إن جوهر العبودية هو استغلال الأشخاص المستضعفين بشكل عام لتحقيق مكاسب اقتصادية وإنها تترافق بالإكراه الجسدي أو النفسي."
فهناك العديد من القرى والنجوع التي مازال فيها ما يعرف بالزواج القسري لصغار البنات لرجال أغنياء بمقابل مادي، وهناك العديد من الدول التي يهجرها شبابها هربا من ضيق الحال راضيين بأقسى أنواع الأعمال الشاقة ومنها أعمال غير آدمية من أجل قليل من المال، وهناك مجتمعات وقطاعات يعمل موظفوها لعدد كبير من الساعات يوميا ليخرج بعد انقضائها منهكا راغبا في النوم للاستعداد لمعركة صباحه من جديد مع مقابل يأكل به فقط لعشرين يوما في الشهر؛ ليجد بعد سنوات أنه أضاع عمره وفقد صحته ولم يدخر ما يغطي أبسط احتياجاته لبقية حياته مع جني تلك القطاعات والمؤسسات مليارات من جهد هؤلاء العمال.
والأمر وما فيه عرض وطلب فإذا قبلت بهذا الذل والهوان؛ فلن تطلب تلك المؤسسات أحدا غيرك؛ فستحرم نفسك وغيرك من أبسط حقوق الإنسان وهي وظيفة مريحة آدمية تترك لك بعد انقضاء ساعات عملك قليلا من الصحة للتمتع بالحياة، وتعطيك مقابلا يغطي كافة احتياجاتك ولتعلم أن رفاهيتك من ضمن تلك الاحتياجات الأساسية لتضمن لك العيش كإنسان حر سعيد فتكسب حقك ورزقك الذي يرسله الله لك وتمنعه عنك سلبيتك ومثاليتك الفارغة برضاك بأقل مما تستحق.
كن حرا في مطالبك مثلما أنت حر في تفكيرك وفي رغباتك الداخلية التي تكابحها كل يوم، كن حرا لتُعامل كحر.
" لا تقبل بأقل مما تستحق فأغلب أوجاعك تبدأ عندما تتنازل." ويليام شكسبير
التعليقات