الشيخ سيد درويش صاحب رحلة فنية قصيرة، إذ توفي وعمره 31 عاما، لكنه استطاع بغزارة إنتاجه وتنوعه أن يكون صاحب التأثير الأكبر والأهم في الموسيقى في القرن الـ20، متأثرا ببيئتة المحلية ونشأته في حي كوم الدكة بمدينة الإسكندرية التي أثرت في تكوينه الفني والثقافي.
ولد الفنان الكبير سيد درويش 1892 باﻹسكندرية لأسرة متوسطة الحال.
التحق في الخامسة من عمره بالكتاب لحفظ القرآن.
وبعد وفاة والده ، قامت والدته بإلحاقه بأحد المدارس،كما درس في المعهد الديني بالإسكندرية، وبدأ العمل وهو لا يزال في الـ16 إذ تزوج في هذا العمر، واضطر إلى العمل في فرقة جورج داخور التي كانت تعمل بقهوة إلياس، وبعد حل الفرقة اضطر إلى العمل في البناء، وهنا بدأت تتضح موهبة درويش الفنية .
عمل سيد درويش كعامل بناء، وقد لعبت الصدفة دورها فى حياته عندما سمعه الأخوين أمين وسليم عطا الله وهما من أشهر المشتغليين بالفن انذاك ، وقررا أن يصحباه برفقتهم فى رحلتهم الفنية إلى الشام عام 1908.
وهناك تعرف على الشاعر الملا عثمان الموصلي، الذى إعجب بموهبته الفنية الكبيرة وقرر أن يرعاه فنيا، فحفظه التواشيح وعلمه الكثير من علمه.
بعدها عاد سيد درويش الي القاهرة وظل فترة من الزمن يتنقل بين عمل وأخر حتى تعاقد معه الأخوين عطا الله، وأصبح فردا من فرقتهم الموسيقية بعدها سافر مرة أخرى إلى الشام وكانت هذه هى نقطة اﻷنطلاق الحقيقية فى مسيرة درويش الفنية.
وكانت أول ألحان سيد درويش التى قام بتأليفها "يا فؤادي ليه بتعشق". ومن بعدها إنتقل إلى القاهرة وهناك لمع نجمه أكثر و زادت شهرته بعد أن قام بتلحين كافة روايات الفرق المسرحية في شارع عماد الدين أمثال فرقة "نجيب الريحاني"، "جورج أبيض" و"علي الكسار".
تميز سيد درويش في لون الاغاني الوطنية فقد قدم اغاني عديدة مثل "قوم يامصرى" التى غناها أثناء ثورة 1919، أيضا نشيد "بلادى بلادى" الذى اقتبس فيه بعضا من كلمات الزعيم الراحل مصطفى كامل.
و أغنية "الحلوة دى" التى غناها تضامنا مع الحرفيين والفئات العاملة بالمجتمع ، واغنية اهو ده اللي صار ، والذي قدمها كنوع لمكافحة فكرة الاحتلال ،
فميلاده في أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، ووجود حركة وطنية قوية في مصر كان لهما بالغ التأثير في أعمالهك فانتقد قرارات الملك فؤاد الأول بأغنيات مثل "الحلوة دي قامت في الفجرية"، و"أهو دا اللي صار"، و"شد الحزام".
وامتدت إسهاماته الفنية إلى ثورة 1919 إذ قدم أغنيات شهيرة مثل "قوم يا مصر مصر دايما بتناديك"، و"يا بلح زغلول"، وهو ما منحه لقب "فنان الشعب" الذي استحقه بجدارة، فاختلاطه بالحواري والقرى وتنوعه الثقافي بين الشمال والجنوب جعله الأقرب إلى المصريين في تلك المرحلة.
استطاع سيد درويش أن يحدث ثورة موسيقية بتمرده على اللون الموسيقي السائد في مصر في ذلك الوقت، فقد عبر فنان الشعب بموسيقاه أيضا عن المجتمع بطريقته التي اتسمت بالعفوية والبساطة.
فقدم اللون العاطفي في أغان مثل "أنا هويت"، و"زوروني كل سنة مرة"، و"أنا عشقت"، كما شدد وبداية احترافه الفن وحتى وفاته فى العاشر من سبتمبر من عام1923.
وقدم ألحان 22 أوبريت، و17 موشحا منها "يا شادي الألحان"، و"يا بهجة الروح"، و"يا صاحب السحر الحلال"، و50 طقطوقة، والفصل الأول لأول أوبرا كان قد شرع في وضع ألحانها بعنوان "كليوباترا ومارك أنطونيو"
ورغم موهبة سيد درويش الكبيرة، فإنه لم يكن موهوبا في الإدارة، فقد كان الفشل مصير الفرقة التي كونها للهرب من المعاملة الاستغلالية لأصحاب الفرق الأخرى،
فقدم مع فرقته مسرحيتين هما "شهرزاد" و"البروكة" ومثل فيهما، لكنه سرعان ما حل الفرقة لأن الإقبال عليها كان ضعيفا، وعاد إلى التعاون مع الفرق الأخرى.
التعليقات