علمتني أمي أن البركة أهم من السعة.
كلمة (برك) في اللغة العربية تعنى الثبات والدوام فحينما نقول: "بَرَكَ الرَّجُلُ" أي ثَبَتَ، أَقامَ، "بَرَكَتِ السَّماءُ" أي تَهاطَلَتْ أَمْطارُها دُونَ انْقِطاعٍ، "بَرَكَ عَلَى الأَمْرِ": وَاظَبَ، ثَابَرَ، دَاوَمَ.
ويقال ان أصل البرك (صدر البعير) فقيل ابتركوا أي ثبتوا ولازموا الموضع بالجلوس ووضع الصدر مقاربا للأرض.
وقد ورد في بدائع الفوائد للعلامة “ابن القيم الجوزية”: بأن البركة في اللغة: هي الثبوت واللزوم والاستقرار، ومنها البركة بكسر الباء كالحوض في الوادي، وسُميت بذلك لإقامة الماء فيها، ثم أطلِقَت على ثبوت الخير الإلهي في الشيء، كثبوت الماء في البركة.
ومن هنا عرفت البركة: ثبوت الخير في الشيء. وتطلق على النماء والزيادة (خلاف النقص).
والمبارك ما فيه ذلك الخير.
وأوضح الرازي: أن البركة لها تفسيران: أحدهما: البقاء والثبات، والثاني: كثرة الآثار الفاضلة والنتائج الشريفة.
اذن فهي منحة وعطية إلهية، خير رباني محسوس لا يحصى ولا يقدر بمعايير مادية. خير يجعل القليل كثير. فالبركة إذا حلت ببيت لازمته السكينة وفارقته المشاحنات، وإذا حلت بمال كثر، وإذا حلت بولد اصلحت شأنه، وإذا حلت بوقت اتسع، وإذا حلت بجهد هان وتضاعفت الطاقات، وإذا حلت بقلب اسعدته، والعكس صحيح فمثلا المال الكثير بدون بركة من الله مال ضائع لا نفع منه. كثرت أوجه صرفه بما لا ترتضيه وأصبح جالب للبؤس والشقاء. حتى السعي والجهد بدون بركة هو سعى بدون نتائج محققة.
الحياة بدون هذه المنحة الإلهية كما الحرث في أرض بور، لا عمارة فيها.
فكيف لنا بهذه المنحة؟ يقول الله عز وجل في كتابه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]. اذن تقوى الله هي المفتاح. ومن بعدها يأتي الدعاء فقد كان رسول الله يدعو لنفسه بالبركة. قال صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ." رواه الترمذي.
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم إذا رأى من إخوانه ما يعجبه، أن يدعو لهم بالبركة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ) رواه الإمام مالك.
أي انه علينا بالدعاء لأنفسنا ولغيرنا لاستجلاب هذه النعمة وهي أكثر ما نحتاجه في هذه الأيام.
فقد روى أنه غلا السِّعرُ بالمدينةِ فاشتدَّ الجَهدُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اصبروا وأبشِروا فإنِّي قد باركتُ على صاعِكم ومُدِّكم وكُلوا ولا تتفرَّقوا فإنَّ طعامَ الواحدِ يكفي الاثنين وطعامَ الاثنين يكفي الأربعةَ وطعامَ الأربعةِ يكفي الخمسةَ والسِّتَّةَ وإنَّ البركةَ في الجماعةِ فمن صبَر على لأْوائِها وشِدَّتِها كنتُ له شفيعًا وشهيدًا يومَ القيامةِ ومن خرج عنها رغبةً عمَّا فيها أبدل اللهُ به من هو خيرٌ منه فيها ومن أرادها بسوءٍ أذابه اللهُ كما يذوبُ المِلحُ في الماءِ.
كما روى في مواضع كثيرة روايات عن دعاء النبي لأصحابه بالبركة.
قيل دعا النبي للصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف بالبركة التي لم تفارقه لحظة من يومها حتى وفاته، ففتحت عليه أبواب الرزق بعد أن دخل المدينة فقيرًا لا يملك من المال شيئًا حتى كان يقول:" فلقد رأيتني لو رفعت حجرًا لرجوت أن أصيب تحته ذهبًا أو فضة".
وعن أنس رضي الله عنه، قال: «قالت أمي: يا رسول الله، خادمك أنس، ادع الله له، قال: (اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته)، قال: فإني من أكثر الأنصار مالًا. وعن عروة البارقي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطاه دينارًا يشترى له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع أحدهم بدينارٍ، وجاء بدينارٍ وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب ربح فيه» [أخرجه البخاري].
كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:(عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نتوضأ ولا نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ. فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِئَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً).
أدعو الله لنفسي ولكم بخير الدنيا والأخرة بأقصر الطرق وأهونها، بارك الله لكم وعليكم.
التعليقات