تظل معجزة أكتوبر الخالدة درسا لا يمكن إغفاله فى الأكاديميات العسكرية، ونورا ساطعا فى الذاكرة الوطنية، ومنعطفا نوعيا فى تاريخنا باعتبارها أعظم انتصار للجيش المصرى فى العصر الحديث، ومع ذلك نتمنى وجود أعمال فنية جديدة تضاهى هذه الملحمة.
وعلى الرغم من أن السينما العالمية قدمت أكثر من 300 فيلم عن الحرب العالمية الأولى و240 فيلما عن الحرب العالمية الثانية، و122 فيلما عن «الحرب فى فيتنام»، و30 فيلما عن الحرب الأمريكية فى العراق، فإن السينما المصرية لم تقدم سوى أفلام تعد على الأصابع وبضعة مسلسلات عن معركة الكرامة، معظمها لم تتناول حرب أكتوبر بصفة مباشرة، وإنما تناولت فترة ما قبل الحرب، الدور المهم الذى قامت به المخابرات العامة المصرية والحربية وقتها أو خلال الإعداد للحرب، ولذلك نريد أفلاما جديدة تعبر عن عظمة الحدث.
إن هذه النوعية من الأفلام لا تزال تجذب المشاهدين بأعداد غفيرة سواء دخل مصر أو خارجها، وخير مثال على ذلك محليا ما حققه فيلم (الممر) ومسلسل (الاختيار) من إقبال جماهيرى كبير، وعالميا ما حققه الفيلم البريطانى – الأمريكى (1917) الذى عرض العام قبل الماضى وحصد الفيلم الذى يتناول قصة جنديين بريطانيين خلال الحرب العالمية الأولى، 7 جوائز من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما (بافتا) و3 جوائز من أوسكار والجائزة الكبرى لاتحاد الصحافة السينمائية البلجيكية وجائزتى جولدن جلوب، واحتل المرتبة 41 بقائمة موقع آى أم دى بى (IMDb) الفنى لأفضل 250 فيلما فى تاريخ السينما.
وهناك نقطة أخرى تحتم ضرورة إنتاج أعمال فنية عالمية عن حرب أكتوبر، وهى أن هناك رواية أخرى تقدم بشكل فنى عن الحرب من الجانب الإسرائيلى تجافى الحقيقة وتناقض الحقيقة والتاريخ، فمثلا تعمد تناولت بعض الأعمال الإسرائيلية حرب أكتوبر باعتبارها صدمة ومفاجأة للمجتمع الإسرائيلى، وتعاملت مع الهزائم التى لحقت بالجيش الإسرائيلى خلال الساعات الأولى من الحرب على أنها (انكسارات)، ومنها فيلما «يوم الحساب»، و«عيون كبيرة».
ولأن الأفلام التى تتناول الحروب تتطلب ميزانيات ضخمة وتصريحات وموافقات على التصوير، فإن هذا العمل الفنى المأمول لابد أن يكون من انتاج مؤسسات الدولة، فمن الصعب أن يخوض القطاع الخاص مثل هذه التجارب.
لا شك أن لدينا أبطالا وبطولات كثيرة فى ملحمة أكتوبر تستحق أن تروى، ولكن من يتصدى لهذه المهمة عليه أن يضع فى اعتباره أنه يتناول بطولات واحد من أقدم الجيوش النظامية فى العالم، فقد بدأ الجيش المصرى أولى حروبه لتوحيد مصر على يد الملك مينا عام 3200 ق.م، وعلى مدى هذه القرون خاض العديد من المعارك الكبرى دفاعا عن وطنه، وقد تصدى لكل محاولات العدوان على الأمة بدءا من الحملات التى قادها تحتمس الثالث (المتوفى 1425 قبل الميلاد) الملقب بسيد الملوك المحاربين والعسكريين الاستراتيجيين، الذى قاد 17 حملة عسكرية فى غرب آسيا، دفاعا عن الإمبراطورية المصرية، مرورا بمواجهة الصليبيين بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا فى معركة المنصورة (1250م) والانتصار عليهم وأسر لويس التاسع، ومواجهة التتار والانتصار عليهم فى عين جالوت (1260م) ولن تنتهى بمعركة الكرامة واستعادة الأراضى فى حرب أكتوبر 1973، وإنما يظل الجيش المصرى درع هذه الأمة وسيفها لأنه بحق كما جاء فى الحديث النبوى (خير أجناد الأرض وفى رباط إلى يوم القيامة).
نتمنى التجهيز لعمل فنى كبير يخلد هذا النصر ونحن نستعد للاحتفال باليوبيل الذهبى لانتصار أكتوبر العام المقبل؟ ..وأتمنى أن يتضمن الاحتفال مسابقة عالمية عن أفضل إنتاج فنى وأدبى عن ملحمة العاشر من رمضان السادس من أكتوبر.
التعليقات